ليست هُناك بدائل عن واقع الجهل القائم بين المجتمعات العربية إلا الجهل نفسه، إن قل منها كثر الغالب والذي لا يقبل المعرّفات القديمة هذا أمي أو غير متعلم كخريج مراحل الثانوية وما هو أعلى.

اليوم من الصعب وجود جاهل في المجتمعات المتقدمة وأقصد جاهل أي غير متعلم والتعليم ليس كما هو متعارف عليه سابقًا مهمة المدارس والجامعات بل أقل ما يكون التعليم عن طريق الاستماع وما إلى ذلك من وجود طفرة علمية تخطّت تلك المراحل التي كُنا نعتبرها الأهم لإزالة الجهل بقدر ما وصل إليه العالم من مستويات فاقت تفكيرنا وفي مجال الذكاء الاصطناعي تحديدا إلى أن أصبح العنصر البشري مساعدا ليس أكثر.

والذكاء الاصطناعي أضاع لغة الجهل، وقراءة الأفكار تبدو أنها تقترب من أن تُصبح حقيقة، وما يصدر من عتاة الجهل والتخلف بالوقوف أمام مراحل التغيير للجانب الإيجابي أمر مهم جدا ،بل من الضرورة الحتمية كي لا نصبح أمة تحتفظ بالجهل، ليس الجهل بالمعنى والمفهوم، وهو عدم المعرفة بل بعدم تقبّل طفرات التغيير المتسارعة والتي أوصلت الدول التي سبقتنا إلى مستويات تفوق ما كنا نظن أننا محصّنون منها، مع العلم أنها لا تمس الثوابت الدينية أو العادات والتقاليد بشيء، بل الخشية من تفوّق المجتمع على نفسه والخلاص من عقبات كانت حجر عثرة والمعروف بالقابع في منتصف الطريق، فالأمم تخطو إلى مراحل في المنافسة للوصول إلى مراكز مهمة في حياة البشرية، ونحن ما زلنا في نقاشات ليس لدراسة المستقبل، ووضع الخطط لبناء العقل الحضاري، بل نقاشاتنا تدور حول التوافق والإقناع عن بعض المعوقات الفكرية والتي سببت لنا هذا التخلّف الخطير، ومنها التفكير بأن العالم يريدُ أن يهدم قيمنا وعاداتنا وما هي إلا أوهام كُنا نُدافع عنها منذ محرّمات الجوال وقبلها التلفزيون إلخ...


نحن اليوم نقف أمام أنفسنا بعدما كُنا نعتقد أن العالم يقف أمامنا ويريد بنا السوء وما هي إلا أضغاث أحلام وخزعبلات ما أنزل الله بها من سلطان، ظنا أن التغيير الفكري الكبير هو تغريب عن الماضي، والترحّل إلى عالم يصنعُ لنا ما يحط من قيمنا، وفي الحقيقة الصريحة والواضحة ما هي إلا خدمة نقدمها لهم بأننا نحتفظ بها على أساس أنها من الدين أو ما يخدم الدين والقيم دون تفصيل الواقع ودراسة تطوّر العالم الغربي، وهذا يعني تدهورا خطيرا نحو مؤخرة الأمم المتقدمة، وتشويها للعقل، وما كانت حجتنا إلا ضعفا يزداد ضعفا، يستبشر بهِ العدو خيرا.

لقد صنعنا من أنفسنا من يُحاربنا بطريقة دراماتيكية لم تدم طويلا، حتى وجدنا أن لغة العالم تغيّرت،ولم تعد أفكارُنا إلا مادة بالية تتعلّق ببعض الموجودات وهي بين أيدينا، إن هي إلا منتهية الصلاحية، فعلقت بأيدينا ،ونحن من سيُطالب العالم بمساعدتنا للخلاص منه، إنه الجهل الذي حرّم كل شيء فهو ظلام، لا تدخل عليه إضاءة، فيبهت.