أولها التعظيم، وهي إعطاء الشخصية التي تتفق مع آراء «المشخصن» وأطروحاته الموافقة المطلقة، بل إيجاد المبررات لها.
وثانيا التقزيم والتصغير، وهو الحكم على الآخر بناءً على عرقه، وشخصيته، ولونه، وطريقة كلامه، وغيرها من الأمور التي لا تتعلق بالفكرة المطروحة للنقاش، فيصبح محور الحديث قائما على المثل الصيني القائل «العقول الصغيرة تتحدث عن الأشخاص، والعقول الكبيرة تتحدث عن الأفكار».
فلا توجد ثقافة للحوار منذ ولادة «المشخصن»، لذلك من البداية يستبعد الطرف الآخر، ويزدريه، ويظهر عيوبه التي لا تمت إلى الموضوع بصلة، لكي ينال منه، وهو نوع من الجدال القائم على الشخصية فقط، ويكون أيضا مخرج لـ«المشخصن» من النقاش الموضوعي عن الفكرة، عندما لا يمتلك الحجة التي يدعم بها موقفه، ومن ثم يصبح الحوار عقيما، لا جدوى ولا طائل منه، سوى الجدال لغرض الجدال دون البحث عن الفكرة ومضمونها، عوضا عن مقارعة الحجة بالحجة.
التعصب الفكري ما هو إلا مرادف عن الشخصنة، لذلك يجب أن يكون الحوار قائما على أساس «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».
انطلاق الأفكار والنقاشات يكون حول المادة المطروحة بانسيابية وأريحية مع الاحتفاظ بحق النقد، في إطاره الموضوعي، دون تقزيم أو إقصاء. استوقفني مقطع انتشر في «السوشيال ميديا» لشخص يتناول قضايا مجتمعية بأسلوب ساخر، وتطرق للمثقفين، ومن ثم وصفهم بأوصاف معينة مثل أنهم دائما ما يرددون الاقتباسات، وهي محور حديثهم، بالإضافة إلى اهتمامهم باللوحات الفنية غير المفهومة المعاني، فقط للتباهي، وانتشر مقطعه بين الناس. وفي إحدى القنوات تمت استضافة أديب من الأدباء المرموقين في المجتمع، وعرض عليه المذيع المقطع المتداول، لكي يسمع تعليقه، إلا أن تعليقه كان فيه شخصنة بطريقة مبالغة، حيث إنه لم ينتقد الفكرة أو يرد عليها بأسلوب صحيح، يتعلق بمضمون الفكرة، وإنما كان تعليقه أن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت الفرصة لأمثال أولئك الأشخاص للظهور.
بينما كان يستطيع أن يوضح أن للاقتباسات معاني قيمة وتجارب طويلة، تختصر بكلمات بسيطة، وأن اللوحات الفنية فن، وله متذوقوه وعشاقه الذين يفهمون معاني تلك الرسومات، وليس كل المثقفين يحبون اللوحات الفنية، بل هو فن بصري قد يعجب البعض، وقد لا يعجب البعض الآخر.
في بعض الأحيان يصاب الشخص بالغرور، خاصة إذا وصل إلى مكانة اجتماعية أو تعليمية معينة، فيمارس الإسقاط فورا على الآخر. ومن الأسباب أيضا الغيرة، والحسد كذلك، اللذين يجعلان الشخص لا يتقبل أي فكرة من الطرف الآخر، لأنه أفضل منه كما يشعر، فهو مباشرة ينتقده على أي شيء يصدر منه، ولا يقبل به نهائيا، فتعويض النقص يكون بالإقصاء، لذلك الثقة بالنفس هي عامل قوي ضد قضية الشخصنة.
وفي نهاية مقالتي أود أن أوضح أن الشخصنة وقفت كثيرا ضد عدد من الأشخاص الموهوبين والطامحين، لعوامل تتعلق بالأحكام المُعلبة ضدهم دون النظر إلى أفكارهم وفحواها.