انفض السامر، وأسدل الستار على سوق عكاظ في نسخته الخامسة، بيد أن أحاديث من عاشوه تؤكد أنه ليس ذلك الحدث الذي يسهل محوه من الذاكرة، آملين أن تشهد مواسمه المقبلة مزيدا من التطور والازدهار.
"الوطن" التقت الشاعر عبدالله السميح الذي كان أحد فرسان منبر عكاظ لهذا العام حيث قال "سأحاول أن أكون موضوعياً، وفي الموضوعية تنتفي هذه الحدية فيما أعجبني وما لم يعجبني، في سوق عكاظ شهدت هذا الملاك القدسي الذي يسمونه الشعر، شهدته يمشي على قدمين بعد أن نفته المدن الصلدة واغتابه المجدبون، لقد كان يجلس بجانبي في الباص أثناء الرحلة السياحية التي نظمتها اللجنة المعنية وكان هو دليلي لمعرفة تفاصيل الطائف وجمالها، لقد كان سوق عكاظ في نسخته الخامسة كرنفالاً من الشعر والفن والرؤى الثقافية، وقد بذلت أمانة السوق واللجان التابعة لها قصارى جهدها في الاحتفاء بضيوف سوق عكاظ وكنت أشفق على أعضائها من الزملاء المثقفين وهم يواصلون الليل بالنهار في أريحية منقطعة النظير لتهيئة سبل الراحة لكل المدعوين، بقي أن أقول ومن منطلق عملي كمستشار في العلاقات العامة إن لي بعض الملاحظات على التنظيم، ولن أذكرها هنا، لكني سأوصلها للجنة المنظمة عملاً بمبدأ المناصحة، وإن كانت تلك الملاحظات تعتبر طبيعية إذا أخذنا في الاعتبار عمر سوق عكاظ".
بينما علقت الشاعرة التونسية آمال موسى بقولها "إن كل عمل ثقافي مهم يحتاج إلى التراكم في مجال الخبرة كي تتحقق الأهداف المرجوة منه، وبالنسبة لمهرجان سوق عكاظ فإنه من الضروري الإشارة إلى طرافة الفكرة وقوتها خصوصا من ناحية الرؤية الشاملة على الفنون والآداب والعلوم وهي رؤية تشير إلى عمق التصور باعتبار أن الشعر نفسه هو الهاضم للمعرفة دون حدود أو حواجز". تابعت "أعجبتني هذه الرؤية الطموحة والمواكبة لانفتاح الثقافة اليوم على الروافد كافة لا سيما أن حدث تأسيس مدينة عكاظ سيبلور هذه الرؤية ويظهرها ويكشف عن ثمارها".
وبينت موسى أن المطلوب من سوق عكاظ في الدورات المقبلة مزيد الرهان أكثر على تعزيز الحضور الإبداعي والعلمي النسائي إضافة إلى توسيع مفهوم الشعر وأشكاله ذلك أن عكاظ اليوم ليس سوق عكاظ أيام الجاهلية. لقد قطع الشعر خطوات فائقة في مجال الحداثة الشعرية ومن المهم أن يعكس سوق عكاظ في نسخته الحديثة هذه الخطوات دون أن ننسى فرادة تجربة الحداثة في الشعر الحديث. وتمنت لو خصصت ندوة حول تجربة الشاعر الكبير محمد الثبيتي.
من جانبها، ذكرت الدكتورة بكلية الآداب قسم التاريخ بجامعة الملك عبدالعزيز فتحية عقاب أن التاريخ سجل ملتقيات ومنابر متعددة في جزيرة العرب كانت شعاعاً للإبداع والتلاقح الفكري على المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، تمثل أهمها في سوق عكاظ، الذي كان منبرا ومنتدى اجتماعيا حافلا بكل أنواع الأنشطة، وعلى يد الخوارج عام 129هـ أطفئ شعاعه، ومنذ ذلك التاريخ إلى وقتنا الحاضر ظل طوال هذه الحقبة التاريخية بعيداً عن الركب والتمدن الحضاري، إلى أن أحياه الأمير خالد الفيصل وانتشله من الاندثار وأعاد وهجه الثقافي برداء جديد، وجهود أيد سعودية مستلهمة مجدها الحضاري، تمثلت في صياغة لوحات حضارية لفعاليات ثقافية متنوعة، لم تقتصر على العمود الفقري الذي اشتهر به السوق وهو الشعر وأمسياته، بل اتسع لمجالات أدبية مختلفة ومتنوعة تناولت إحياء الأمس الزاهر، ورؤى لإصلاح الحاضر، وتطلع وإعداد لمستقبل باهر.