كانت زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز لموسكو عام 2017 زيارة استثنائية، باعتبار كونها أول زيارة لقائد سعودي لروسيا، وبالنظر لما تضمنته من نتائج بارزة من أهمها الجوانب المتعلقة بالتعاون العسكري بين البلدين.

العلاقات الروسية السعودية تندرج في إطار الرؤية الاستراتيجية الجديدة للمملكة التي تقوم على تنويع شراكاتها الدولية والانفتاح على القوى الصاعدة في العالم، وسد ثغرات الأمن الإقليمي العربي بقطع الطريق أمام التهديدات الخارجية.

والمعروف أن علاقات روسيا بالقوى الإقليمية الشرق أوسطية غير العربية لم تكن يوما سهلة ولا عادية. يذكر التاريخ أن الحروب بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية امتدت طيلة ثلاثة قرون من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر، وتركزت على التنافس على إقليم البلقان وعلى المياه الدافئة التي هي الطموح الثابت للقياصرة الروس. ولقد اشتهرت في هذا الباب حرب القرم التي هزمت فيها السلطنة التركية وكانت بداية تحلل آخر خلافة إسلامية. ورغم ما يظهر أحيانا من تقارب اليوم بين روسيا وتركيا وما يجمعهما من شراكة في مجال السلاح والغاز، فإن الدولتين تتصارعان في المحيط الأوروآسيوي وتتنازعان السيطرة والتأثير في العالم البلقاني.


أما إيران، فقد عرفت علاقاتها مع روسيا مصاعب كثيرة وصلت إلى حد الحرب المدمرة في العهدين الصفوي والقاجاري، وكانت النهاية هي انسحاب الدولة الفارسية من مواقعها المهمة في آسيا الوسطى. ولقد أعلن البلدان في السنة الماضية قرارهما توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية كاملة، لكن من الواضح أن خلفية هذه المبادرة هي محاولة احتواء العقوبات الدولية الصارمة ضد إيران.

يوفر العالم العربي فرصا أهم لروسيا من علاقاتها بتركيا وإيران. روسيا دولة نفطية مهمة وتدرك جيدا أن شركاتها في هذا المجال الحيوي مع السعودية يضمن لها التحكم في أسعار النفط، والتأثير الحاسم في قرارات الكتل المصدرة لهذه المادة التي يتوقف عليها الاقتصاد العالمي.

وإذا كانت روسيا خلال الحرب الباردة حاضرة بقوة في ما كان يعرف بالبلدان اليسارية العربية مثل سوريا والعراق وليبيا واليمن الجنوبي والجزائر، فإنها تسعى اليوم إلى العودة لمواقعها التقليدية من منظور مصالحها الاستراتيجية الأساسية.

ومن هذه التوجهات الثابتة تركيز الحضور العسكري الروسي في البحر الأبيض المتوسط من خلال القواعد العسكرية الروسية في سوريا (قاعدة حميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية).

وفي حين لا تزال الجزائر زبونا مهما لروسيا في المجال العسكري، فإن الدور الروسي أصبح واضحا في ليبيا من خلال مشاركة مجموعات مسلحة روسيا في مواجهة المليشيات الانفصالية، كما أن التعاون الروسي مع العراق في مجال الطاقة تزايد كثيرا في السنوات الأخيرة.

إن هذه المعطيات تبين حجم العلاقات المهمة بين العالم العربي وروسيا التي تمتعت بعضوية مجلس التعاون الإسلامي كمراقب منذ سنوات عديدة، وهي اليوم تقدم نفسها الامتداد الطبيعي لإقليم الشرق الأوسط.

لا أحد يدعو إلى استبدال الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية بروسيا التي وأن كانت قوة عسكرية واستراتيجية كبرى، إلا أنها في موقع ثانوي بالنسبة للاقتصاد والصناعات التقنية الجديدة. بيد أنه من الضروري الانفتاح على هذا البلد الكبير وتفويت فرصة استخدامه حليفا ضد الخليجيين والعرب. ذلك ما أدركته قيادتنا الراشدة في إطار المقاربة السعودية للعلاقات الدولية التي سنتناولها بالتفصيل لاحقا.