لو أنني سمعتُ تعبير"الربيع العربي" من وسائل إعلام عربية لم أكن لأستغرب. لكن أن أسمعه من وأقرأه في وسائل إعلام غربية، فذلك هو العَجَب بعينه! ومصدر تعجّبي سبب واحد بسيط ، وهو أن الإعلام الغربي لا يستخدم هذا الأسلوب الإنشائي أو هذه اللغة المجازية، لأنه أكثر حِرفية من أن يقع في شِباك (الإنشائية) بهذه الطريقة الساذجة!

بحثتُ عن أصل استخدام تعبير ( الربيع العربي) لكني لم أجد له أثرا في اللغة العربية.

وبعد أن يئست قررتُ أن أبحث مرة أخرى باللغة الإنجليزية، فتفاجأتُ كثيراً بكمية النتائج التي حصلتُ عليها. وجدتُ مقالة مفصلّة على (ويكيبيديا) لهذا التعبير بالإنجليزية ( Arab Spring). وعندما غيّرتُ لغة صفحة المقال، ظهرت لي مقالة بالعربية بعنوان ( الثورات العربية) بدلاً من (الربيع العربي). وهنا يُفتَرَض بنا أن نتساءل: ما الذي يجعل الغرب يرون الأحداث الراهنة في العالم العربي" ربيعاً" ، وما الذي يجعل العرب يرونها "ثورات" ؟

يُحاول رامي خوري في مقاله (أسقطوا المصطلح المستشرِق: الربيع العربي) في صحيفة (ديلي ستار) الإجابة عن هذا السؤال تحديداً. ينتقد خوري استخدام التعبير الذي يعكس رؤية الغربيين لما يدور في العالم العربي وكأنه تغير موسمي؛ مهما طال فهو زائل. والأهم من ذلك هو أن التغيرات الموسمية هي تغيرات خارجة عن إرادة البشر وهو ما يسلب الثورات العربية قيمتها والدافع الرئيسي وراءها وهو، إرادة الشعوب! يقول رامي خوري:" الربيع مصطلح سلبي-إنه حَدَثٌ يقع على الأشخاص- أشخاص بلا قوة وبلا رأي".

ومن الناحية اللغوية والموسيقية، فإن مفردة (الربيع) تُوحي بالبهجة وتجلب معها ألوان وروائح الورود. والثورات العربية إلى حد الآن لم تؤتِ ثمارها، لأنها لا تزال في مرحلة الهدم. لذلك هي تبدو ولادة متعسّرة طويلة الأجل.

الثورات العربية ليست ربيعاً لأنها لم تكن نتيجة ظروف خارجية أو عوامل طبيعية أو بيولوجية قاهرة! الثورات العربية هي نتيجة أعمار من القهر والذل والجهل الذي أنسانا تاريخ العزة والكرامة الذي تجاهلناه فصار غيرنا يعتقده حَدَثاً طارئاً علينا!

وقد يقول قائل إن تعبير( الربيع العربي) جاء تيّمناً بسلسلة الثورات الأوروبية الشعبية التي بدأت في فرنسا في عام 1848، وأُطلِق عليها (ربيع الشعوب) و(ربيع الأمم). وبالرغم من التشابه الظاهري بين دوافع تلك الثورات ودوافع الثورات العربية، سواء في العطش إلى أنظمة ديمقراطية ومدنية أو في توحّد مطالب الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة، إلا أن خصائص كل من المجتمع العربي والأوروبي تختلف اختلافاً جذرياً، هذا عدا اختلاف التيارات السياسية والاتجاهات الاجتماعية. لذلك فإن المقاربة وإن كانت واردة إلا أنها غير منطقية وغير دقيقة. وإنه لمن المُلفت أن مصطلح (الربيع العربي) لم يُستخدم في وسائل الإعلام العربية إلا بعد كثرة تردده في وسائل الإعلام الغربية. وبغض النظر عن موقفنا من نظرية المؤامرة، فإن التساؤل عن السبب وراء تعمّد نشر المصطلح في وسائل الإعلام العربية والعالمية هو تساؤلٌ مشروع. وخاصةً أن المصطلح لم يُستخدَم للإشارة إلى الثورات التي اجتاحت الاتحاد السوفيتي في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، بالرغم من أن تلك الثورات أدّت إلى تغيير حقيقي في خارطة العالم!

أعتقد أنه من حق العرب أن يختاروا ألا تُشبّه ثوراتهم بالثورات الأوروبية التي لم تحققّ معظم مطالب شعوبها، فكانت أشبه بثورات موسمية عابرة. ومن حق العرب أيضاً أن يُعبّروا عما يعتمل في جوانب شعوبهم دون إملاءات أو انطباعات خارجية. التحفّظ على استخدام مصطلح (الربيع العربي) ليس انتقاصاً من ثورات الشعوب أو تشكيكاً في نتائجها. فالانحياز للشعوب يقتضي احترام الطريقة التي عبّرت فيها عن نفسها، وأول ما لفظته الشعوب التي عشّش الصمت على حناجرها كان: الشعب يُريد..!

الانحياز للشعوب يقتضي احترام دماء شبابها وإلباس أصوات الشعوب لون الدم، لكيلا ينسوا الذين سقطوا لكي ينهض حلم الوطن. لا تحتاج الشعوب العربية المزيد من أكاذيب الربيع، بل تحتاج الكثير من معاول الهدم لكي تستطيع الحرث والزرع في أرضٍ بكر من جديد. بعدها يُمكنها أن تستسلم لإرادة الطبيعة ورياح المواسم وتُغني احتفالاً بقدوم الربيع الذي تفتّح على أيديها!