واتجهت جميع رؤوس الأموال أو جلها إلى هذا المجال، للأرباح الطائلة التي يدرها، وانتشرت المكاتب العقارية، حتى إنك لا تكاد تجد زاوية في الشوارع العامة إلا وفيها مكتب عقاري أو عدة مكاتب.
انشغل الناس واندفعوا وراء هذا التيار الذي جعلهم يجمدون أموالهم، بل يقتلونها ويدفنونها في التراب بطوعهم واختيارهم، وهذا الاتجاه خطير للغاية، فهو يشغل الناس عن أمور نافعة للبلد كثيرة، لأن مجال الصناعة يحتاج إلى مال، ومجال البناء والتعمير يحتاج إلى مال، ومجال الزراعة يحتاج إلى مال، ومجالات أخرى كثيرة في البلاد تحتاج إلى الأموال، وأموالنا دفناها في التراب.
أتذكر أنني قرأت في تاريخ بعض الدول أن هذه الموجة من البيع والشراء في الأراضي، وتوجيه رأس المال الوطني إلى هذا الاتجاه قد وقع، فانزعج قادة تلك البلاد، وفكروا في محاربة هذا الاتجاه بعزم وتصميم، ثم ما زالوا يحاربونه حتى قضوا عليه، ووجهوا رؤوس الأموال للمشاريع النافعة التي تخدم مصالح البلاد، وتخدم مستقبلها في البناء الاقتصادي السليم، ولقد آن لنا الآن أن نفكر في هذا الوضع بجد وتصميم، وأن نعالجه بحكمة وبصيرة، حتى نوقف هذا التيار الجارف الذي اندفعنا إليه بلا تفكير ولا تخطيط ولا دراية.
وحكومتنا السنية قادرة على ذلك بعون الله وتوفيقه، حيث خطت الحكومة خطوة موفقة، وهي إيجاد بنوك لإمداد المواطنين بالأموال للبناء والتعمير، والمشاركة في حل أزمة السكن، ولكن أين الأراضي التي يبنون فوقها؟!.
إنهم لا يستطيعون شراء الأراضي بتلك الأسعار الخيالية. لذلك أرى أن خطوة القروض في حاجة إلى خطوة ثانية مكملة لها، وهي شراء تلك الأراضي التي شغلت الناس، ثم تخطيطها وتقسيمها إلى قطع صغيرة، تباع على الأهالي بقيمة رمزية بسيطة، ثم يوجهون إلى طرق عمرانها بشكل مبسط ومتناسق وجميل.
إذا تحقق هذا الأمر، فإن منح الأرض وإعطائها مجانا سوف يتوقف تلقائيا، وبهذا يشعر كل مواطن بأن ليس هناك شيئا يعطى مجانا، فكل شيء في هذه الحياة له ثمن، والشيء المهم أن نبسط هذا الثمن، ونجعله في مقدور كل مواطن يريد أن يعمل، ويريد أن يبني لنفسه حياة منظمة مستقرة.
وأنا لا أشك أن حكومتنا السنية قد شعرت بهذه المشكلة، وأعدت لها الحلول المناسبة، غير أنني في هذه الكلمة أستحثها على الإسراع في إيقاف ذلك التيار، وتيسير الأرض للراغبين في البناء، وتوجيه رأس المال الوطني إلى المجالات النافعة.
1976*
* أديب وصحافي سعودي «1912 - 2011»