أصبحت الزيادة المستمرة في عدد سكان الأرض والحاجة الكبيرة لتوفير الغذاء هاجسًا وهمًا كبيرًا لدى المنظمات العالمية، خصوصا بعد تداعيات أزمة كورونا التي أثرت سلبًا في سلاسل الإمداد الغذائي بشكل كبير في معظم أنحاء العالم.

وحتى تستمر الحياة ولا تصل الشعوب لمراحل متقدمة من الإفلاس الغذائي، بادرت المنظمات بحث الدول على وضع الخطط الإستراتيجية للحفاظ على أمنها الغذائي. بالمقابل لم يتأثر المواطنون والمقيمون بتلك الأزمة في بلادنا المملكة العربية السعودية، وهذا بتوفيق من الله أولاً، ثم بفضل القيادة الرشيدة والتخطيط الإستراتيجي المحكم..

المملكة ممثلة بوزارة البيئة والمياه والزراعة لديها مبادرات كبيرة حققت من خلالها الاكتفاء الذاتي لعدد كبير من المنتجات الزراعية، وبدأت في تصدير بعض المنتجات المحلية. لكن هناك بعض المنتجات الغذائية التي مازلت تورد من الخارج لسد الاحتياج المحلي، وعلى سبيل المثال، اللحوم والدواجن المحلية التي بلغت نسبة الإنتاج فيها إلى 65 في المائة من إجمالي ما تحتاجه المملكة، والأسماك بنسبة 45 بالمائة، واللحوم الحمراء بنسبة 42 بالمائة.


وبعيدا عن لغة الأرقام والإحصائيات، استمرارية الإمداد الغذائي مهمة كبيرة على عاتق الجهات المعنية، يتخللها أمور ومعوقات كثيرة لا يمكن سرد تفصيلها هنا، ولا يمكن تجاهلها في الوقت نفسه، لا سيما أن أغلب مصادر البروتينات التي نعتمدها في غذائنا مصادرها الأسماك واللحوم.

ولأن الإنتاج المحلي قد يحتاج بعض الوقت حتى يصل للاكتفاء الذاتي في المملكة فعلينا المساهمة كأفراد لدعم هذه المستهدفات والحفاظ على الثروات الطبيعية وتنميتها، لهذا أرغب من خلال هذا المقال أن أسلط الضوء على ما يهمك كفرد في هذا المجتمع لتكون جزءا فعالاً من الحل لتحقيق الاكتفاء الذاتي بدون أضرار صحية أو مادية.

أولاً: علاقة المزارعين والمهتمين بالحيوانات والأمن الغذائي قد لا يهتم الفرد منا بالأمور التي لا تصب في أولوياته واهتماماته، لكن هناك مسؤوليات مشتركة تجاه المجتمع الذي ننتمي له، ومن الواجب على كل فرد أن يقدم ما عليه من مسؤوليات، ومن مسؤوليات المزارعين والمهتمين بالحيوانات والطيور وتربيتها سوء الاستفادة من لحومها ومنتجاتها أو للإكثار، هو اتباع نظام زراعي صحي معتمد من الجهات المعنية حتى يقيه -بإذن الله- من الخسائر المادية ومن الآفات الطبيعية مثل الأمراض الوبائية والمعدية التي قد تتسبب في نفوق الحيوانات، ومن الممكن أن تنتقل إلى الإنسان.

اليوم قد لا تخلو وجبة غذائية من اللحوم أو منتجات حيوانية، ولذلك من المهم الالتزام بالتعليمات والتدابير الصحية في مزارع التربية الريفية أو الحيازات الزراعية المتخصصة، حتى تكون مساهمة بشكل مباشر في تعزيز الأمن الغذائي، وليست معاكسة للجهود التي تقدمها الجهات المعنية.

اتباع التعليمات الصحية من شأنها تقليل الممارسات الخاطئة التي تسهم في انتشار الأمراض المعدية، والتي تعرف بالأمراض الاقتصادية؛ لأنها تمتاز بسرعة الانتشار والنفوق المرتفع بين الحيوانات، وبالحديث عن الأمراض، أكد الباحث والطبيب البيطري أولريتش ويرنيري في دراسة نشرها في المجلة العلمية السعودية عام 2014 أن هناك أكثر من (10) أمراض فيروسية مسجلة بين المزارعين والمهتمين بالحيوانات في المملكة العربية السعودية مصدرها عدوى حيوانية.

وشملت تلك الأمراض مرض السعار، إنفلونزا الطيور عالي الضراوة، متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وحمى الوادي المتصدع، وكل هذه الأمراض تشكل خطرا كبيرا على الصحة العامة وتهدد الأمن الغذائي.

فلك أن تتخيل عزيزي المزارع والمهتم بالثروة الحيوانية ثقل المسؤولية التي تحملها، ومدى الأضرار التي قد تتسبب فيها في حين تجاهل تلك المسؤوليات.. لا تقلق، هناك برامج كثيرة تنظمها وزارة البيئة والمياه والزراعة تستهدف صغار المزارعين والمهتمين بالثروة الحيوانية، ولها مستهدفات تصب بشكل كبير في رفع نسبة الإنتاج المحلي وتنمية الموارد الطبيعية، كل ما عليك هو التوجه إلى أقرب مكتب للوزارة في مدينتك للاستفادة من تلك البرامج والخدمات.

ثانيا: دور المواطن والمقيم في تعزيز الأمن الغذائي إذن ما دورك أخي المواطن والمقيم؟ اعلم أن دورك لا يقل أهمية عما تقوم به الجهات المعنية، فأنت الجندي الخفي وعليك مسؤوليات كبيرة.. ولله الحمد- نحن في مجتمع واع يميز الصواب من الخطأ، وعلى كل فرد أن يسهم في الحفاظ على المجتمع من الأضرار بجميع أشكالها وأنواعها، وهذا ولله الحمد من تعاليم ديننا الحنيف، الأمن والسلامة الغذائية ليس مسؤولية وزارة أو جهات معنية فقط، بل أنا وأنت وكل فرد في هذا المجتمع عليه جزء من تلك المسؤولية. الفرد منا يستطيع المساهمة في تعزيز الأمن الغذائي وتنمية الموارد الطبيعية بشكل مباشر وغير مباشر.. شراؤك للمنتجات الحيوانية من مصادرها المرخصة، على سبيل السياق، يقيك بإذن الله من الأمراض والمخاطر المتعلقة بالغذاء، بالتالي أنت تسهم بشكل مباشر في تنمية الأمن والسلامة الغذائية، إضافة إلى ذلك، اعتماد الفرد على نقاط البيع المرخص يسهم بشكل غير مباشر في تقليل فرص عمل الأنشطة غير المرخصة.

كما يمكن للفرد أن يسهم بشكل مباشر في تنمية الأمن والسلامة الغذائية، من خلال الإبلاغ على مخالفي الأنظمة والتعليمات الصحية والبيع العشوائي من خلال القنوات المتاحة في الجهات المعنية مثل البيئة والمياه والزراعة، الصحة، التجارة و البلديات. الأنشطة غير المرخصة قد تزيد من فرص انتشار الأمراض المشتركة بين أفراد المجتمع، الكثير من الأمراض تصيب أفراد المجتمع المختلفة، وليس بالضرورة أن يكون المصابون لديهم اتصال مباشر مع الحيوانات، إنما المنتجات الحيوانية هي المصدر للعدوى، وهذا الأمر يعود لأن المنتجات الحيوانية مثل البيض والحليب واللحوم ومنتجاتها قد تكون ملوثة بالمسببات المرضية لعدم توفر الاشتراطات الصحية البيطرية اللازمة، والتى تنص عليها الجهات المعنية. هناك سلسلة من الإجراءات والاشتراطات الصحية المعتمدة في الشركات والمشاريع والمسالخ المرخصة من قبل الجهات المعنية، والتي تضمن -بإذن الله- سلامة الأغذية حيوانية المنشأ من مسببات الأمراض قبل وصولها للمستهلك.

وهنا أقف لأشكر الجندي المجهول الذي يقوم بالكشف والإشراف على الحيوانات ومنتجاتها ابتداء من الحقل وصولاً للمائدة وهو الطبيب البيطري، ويعد الإشراف البيطري أمرا جوهريا في إتمام سلامة السلسلة الغذائية وكبح حدوث الأمراض والجائحات الوبائية التي تؤثر سلبا على الصحة العامة ونشاط الإنتاج المحلي.

للطبيب المختص الصلاحيات الكاملة بالحكم على الذبائح غير الصالحة للاستهلاك الآدمي بالإعدام الكلى أو الجزئي بعد إجراء الفحوصات الدقيقة للغدد الليمفاوية والأعضاء الداخلية للحيوان أو إجراء الفحص المخبري إذا لزم الأمر.

الجدير بالذكر أن ما يقارب تسعة وثلاثين مرضا وخللا في الأعضاء الداخلية للحيوانات يضعها خارج المنظومة الغذائية للاستهلاك الآدمي، مع هذا نجد أن بعض أفراد المجتمع يهرعون للمسالخ العشوائية غير المرخصة من الجهات المختصة، والتي تفتقر لأبسط مقومات النظافة الصحية والإشراف البيطري مما يجعلهم وأهليهم عرضة للأمراض المشتركة والمنقولة عبر الغذاء.

أخيرا، أود تسليط الضوء على مشكلة متبقيات الدواء في الحيوانات ومنتجاتها المخصصة للاستهلاك الآدمي، التي تعتبر بمثابة سلاح بيولوجي يشكل خطرا كبيرا جداً على صحة الإنسان وفعالية المضادات الحيوية المستخدمة لحماية أرواح البشر من الأمراض.

ونرى من ضعفاء النفوس أو من يجهل الاشتراطات الصحية، ولا يرى سوى الربحية والخسارة، ولا يراعي صحة الناس، من يبيعون الحيوانات المريضة والمعالجة بالأدوية المضادة للجراثيم بدون إشراف طبي وبدون مراعاة لفترة السحب أو ما تعرف بفترة التحريم. وتكمن المشكلة الأكبر بعد استهلاك منتجاتها أو لحومها، حيث تنتقل الجراثيم المقاومة للدواء للإنسان، مما يجعلها أكثر قوة لا تستجيب للمضادات الحيوية، وهذه المشكلة لها أبعاد كبيرة وخطيرة لا يسعني أن أشرح تفاصيلها هنا.

لذلك عزيزي المزارع والمهتم بالثروة الحيوانية، عزيزي المواطن والمقيم.. أنت بالفعل المسؤول أمام الله؛ ولهذا كن جزءا فعالاً في تعزيز وتنمية الموارد الطبيعية والاكتفاء الذاتي من الغذاء في وطننا الغالي.