وأكثر ما يمكن أن يتخيله البشر هو مجرد مشاهدة تلك الأفلام، التي تطرح توقع مفاهيم في روايات خيال علمي محتملة الحدوث.
تُعَدُ شبكة الإنترنت البيئة الحاضنة الأكثر تطورا وتجديدا للأجهزة التكنولوجية المعينة على استخدامها أو التطبيقات التقنية المنبثقة منها، حيث شهد العالم تطورات متسارعة ومتلاحقة، غيرت شكل الحياة على كوكب الأرض عبر تمكينها من التحول الرقمي والطابع الافتراضي والمعزز، وفرضت سطوتها على الكينونة السلوكية الثقافية والاجتماعية للبشر، وعلى تعاملاتهم الاقتصادية والتعليمية والمعرفية والصحية والإعلامية.. إلخ، وأصبح التأثير السلبي والإيجابي الذي تحدثه في معظم الأحيان غير قابل للسيطرة عليه أو التحكم به.
ولا شك أن مستقبل الإنترنت مثير للدهشة، ويكتنفه الكثير من الغموض، وعدم القدرة على التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه من تطورات في المستقبل، حيث ظهرت مفاهيم تحت أسماء متنوعة في روايات الخيال العلمي، لعل أبرزها سايبربنك Cyberpunk منذ 1981، وفي الآونة الأخيرة ظهر مصطلح مشابه، يطلق عليه «ميتافيرس» Metaverse، الذي تمت صياغة مفهومه في أحد روايات الخيال العلمي بعنوان «تحطم الثلج» (Snow Crash) لـ«نيل ستيفنسون» في 1992، إذ قدمت هذه الرواية تفاعل شخصيات خيالية «avatar» مع بعضهم البعض، ومع برمجيات في فضاء افتراضي ثلاثي الأبعاد مشابه للعالم الحقيقي، حيث استخدم المؤلف هذا المصطلح لوصف بديل مرحلة ما بعد الإنترنت بالاعتماد على نقل تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز Virtual & Augmented Reality لمراحل غير مسبوقة. يعرف مصطلح «الميتافيرس» بأنه سلسلة من العوالم الافتراضية التي تضم تفاعلات لا حصر لها بين المستخدمين من خلال تقنيات مساعدة خاصة بكل مستخدم. ولتقريب فكرة «الميتافيرس» للأذهان، فإن هذا التطوير يشير إلى أن المستخدم ينغمس ويندمج ويشارك ويتفاعل في بيئة افتراضية ثلاثية الأبعاد، وتنفصل حواسه عن عالمه الحقيقي فترة بقائه في العالم الافتراضي، حيث لا يقتصر دور المستخدم على النظر إليها أمام شاشته، بل يدخل في هذه البيئة بنفسه، حتى يصبح أحد العناصر المكونة لها، مما يجعله مجالا لا يمكن التنبؤ بمدى تطوره أو فرض حدود يمكن أن يقف عندها، ولا سيما في مجالات الألعاب والترفيه، بل حتى ممارسة الوظائف والأعمال في القطاعات المختلفة، الأمر الذي سيتطلب اشتراك جميع الشركات العاملة في هذه الصناعة، لتوفير المتطلبات التقنية اللازمة. وبحسب موقع «gadgets»، فقد حرصت العديد من الشركات مثل أبل وجوجل ومايكروسوفت على مواكبة هذا التوجه بجعل عوالم البيئة الافتراضية أساسا لتطوير نشاطاتها، إلا أن شركة فيسبوك Facebook كان لها السبق في إعلان هذا التوجه للجمهور، بل اختارت لنفسها اسما جديدا مشتقا من هذا المصطلح «ميتا»، مما يعكس الاتجاه الرئيسي للشركة خلال السنوات المقبلة.
ولتدشين انطلاقتها، فقد أطلقت شركة فيسبوك (ميتا حاليا) تطبيقا للاجتماعات الافتراضية للشركات يسمى Horizon Workrooms، يحتاج مستخدموه إلى نظارات الواقع الافتراضي Oculus VR. وكتوقع شخصي، أعتقد أن هذا التوجه لـ«الميتافيرس» سيشكل مساحة واعدة لرسم خطط صناعية وتجارية، وافتتاح مشاريع تقنية استثمارية رائدة، حيث إن شركة «ميتا» أو «فيسبوك سابقا» لن تستطيع وحدها تلبية متطلبات السوق، والتكفل بكل التطورات المطلوبة في هذا المجال، خاصة في ظل الاحتكار، والعجز الحاصل لتوفير الأدوات التقنية اللازمة لـ«الميتافيرس»، باعتباره المستقبل الصاعد للإنترنت.
لا شك أننا نتذكر ذلك الانطباع الأولي لسلوك المستهلكين أو تلك الأسعار الخيالية تجاه اقتناء أول تليفون ثابت أو جوال متنقل أو كمبيوتر شخصي أو لاب توب أو آيباد، وغيرها من وسائل التكنولوجيا الحديثة، وهو ما يحصل الآن للنظارات التي تم طرحها من شركة فيسبوك (ميتا)، التي لم تحظ بالرضا الكامل من المستخدمين بسبب ارتفاع سعرها، الذي يبلغ 300 دولار أو أكثر، مما يجعل معظم تجارب «ميتافيرس» المتطورة بعيدة عن متناول الكثيرين، خاصة في الدول النامية. فهل يا ترى سنرى اقتناء ولبس نظارات الواقع الافتراضي هو المنظر السائد في منازلنا وشوارعنا وأسواقنا وبيئة أعمالنا؟، بل وربما تتحول فرض عقوبة مخالفات استخدام الجوال في أثناء قيادة السيارة، لتصبح على لبس تقنيات «الميتافيرس» مثل النظارت الافتراضية.
آخر القول: هل يمكن لنا أن نتخيل اندثار استخدام هواتف الجوالات النقالة واستبدال تقنيات «الميتافيرس» بها؟، أين هم المبادرون بدراسة تطورات فرص الاستثمار في تقنيات مستقبل الإنترنت وتكنولوجيا الاتصالات؟، فلربما نرى في مستقبل الأيام عروضا حصرية لشراء نظارة افتراضية، والحصول على الأخرى مجانا.