لكلٍ منا مع الرحيل رواية موجعة، ربما تكون لأب و أم و أخ أو صديق، الرحيل الذي سلب منك الأعزاء على قلبك، و أنا رحل فقيدا قلبي، رحلا دون وداعٍ مسبق، رحلا وقد كانت لي أحلام مستقبلية معهما، رحلا وهما الأمان والسند لي في هذي الحياة.

الأم هي العظمة، هي تلك القوة التي تقف أمام الحياة كي تحمي أولادها، لا تأبه لما يحدث لها مقابل راحتهم، سبحان فاطرها على تلك الغريزة التي بداخلها، حنان وقوة رغم ضعف البعض، إلا أنها تستجمع قوة الكون لكي يراها طفلها قوية، ومملكته التي يلجأ إليها، حينما لا يجد من يحتويه أبداً، هي كاتمة أسراره، احتضنته بحب ودفء وكأنها لا تملك بالدنيا سواه.

هي الدواء بعد الداء، عند رحيلها ينكسر بالنفس كل شيء، ما عدا التربية التي زرعتها بك، ومع مرور الأيام تستجمع قوتك، ولكن لكسر الفقد حرقة قلب وغصة، لا تستطيع بلعها بسبب رحيلها الذي أفقدك معنى الحياة.


الأب ذلك الجبل الذي لا يهتز أمامك، ذلك الأمان والاحتواء والسند، الذي يحميك من مآسي الحياة، وعند رحيله لا تجد من يعوضك وجوده، وتفقد كل ما هو جميل.

رحيلهما كسر دائم لا يجبره ولا يعوضه الزمان، الرحيل لا يجلب لنا سوى الذكريات، لا أحب ذلك الرحيل لأنه جعلني أشعر بالخسارة، خسرت تلك القيمة التي لم أشعر بأنها ستفارقنا ذات يوم، هم أحباؤك دون مقابل، بعض الرحيل ممكن تعويضه، لكن رحيل الأم والأب خسارة مؤلمة، لا تخلف إلا ذكريات الحنين للغياب، الذي يُرهقك والأمان الذي رحل.

لذلك بعد الرحيل عادة يحتاج الإنسان إلى أن يلملم ذلك الشتات بعد تبعثره، ولكن ذلك الرحيل ربما كان للبعض أشد وأعمق كسرا مما بداخلهم.

فعند الخسارة بالرحيل تحتاج إلى احتضان ذاتك، وتشعرها بالقوة والصمود، وستشعر بأنك ما زلت تنبض بالحياة، ولكن دون روح، وهكذا تستمر حياتك.

احتفظوا بمن بجواركم فالرحيل موجع.

خاتمة: نظرة مبهمة تلك التي تُشعرك بأنك في زمن لا يسوده الصدق، فترحل حتى دون عتاب.