كان هناك مدير لإحدى الشركات الكبرى، كان دائماً لا يتورع عن إسداء النصائح لموظفيه عن النزاهة والأمانة، وأنه كان طوال حياته مثالاً حيّاً يحتذى به في النقاء والصفاء والإخلاص ومكافحة الفساد. وكان لا يتردد مقدار أنملة في محاسبة أو فصل أي موظف يشك مجرد شك بأنه غير أمين أو مخلص في عمله.

جميع الموظفين كانوا يهابونه ويخشون من الوقوع في أي زلة أو هفوة قد تفقدهم لقمة عيشهم في الشركة، أو قد تدخلهم السجن بسبب ما يرونه فيه من شدة وبأس وحديث عن الأمانة دائماً.

وذات مرة فقدت من مكتبه (دباسة الورق)، فصاح واستشاط غضباً، لم يره أحد من الموظفين غاضباً بهذا الشكل من قبل، وبات يصرخ ويردد (في شركتنا حرامي) يجب القبض عليه ومحاسبته حساباً عسيراً.


وأعلن حينها حالة الاستنفار والطوارئ في ذلك اليوم، وأمر بعدم مغادرة أو دخول الشركة من أي مخلوق حتى العثور على الحرامي الذي تجرأ وسرق هذه الدباسة، مردداً: من سرق دباسة الورق سيسرق أكبر منها.

اتصل على الفور بقائد الشرطة، وطلب التدخل الأمني فوراً للقبض على المجرم السارق قبل انتهاء العمل وخروج الموظفين من الشركة، وكان في حالة غضب وامتعاض شديد.

كان قائد الشرطة حينها متجهاً لقضية كبيرة في المدينة، لكنه تعاطف مع مدير الشركة بعد ملاحظة الغضب الشديد والانفعال أثناء مكالمته، وظناً منه أن السرقة في الشركة كبيرة جداً، غيّر قائد الشرطة وجهته من القضية المتجه إليها وتوجه إلى هذه الشركة، و اصطحب معه قوة أمنية ورجال بحث وتحر وبصمات وكلاب بوليسية، وكل ما يمكن أن يساعد ويسهل اكتشاف السارق ليقبض عليه ومحاسبته.

وصل رجال الشرطة إلى مقر الشركة، وبدأوا بالتفتيش الشخصي، واستخدام الكلاب البوليسية في المرور على الموظفين والمسؤولين واحداً تلو الآخر للاستدلال على السارق من بينهم، لكن انتهى استعراض الجميع ولم يجدوا الدباسة، ولم تنبح الكلاب عند أحد منهم أبداً. قال قائد الشرطة لمدير الشركة: نعتذر منك ومن جميع الموظفين والعمال وسنغادر الشركة، ووجه رجاله أن يستعدوا للانصراف، وحين ذاك قامت الكلاب تدور حول مدير الشركة، وتنبح بصوت عالٍ أزعج الجميع وكأنها تريد أن تمزق جسده (حينها قال مدير الشرطة لرجاله اقبضوا على مدير الشركة، فكلابنا لا تنبح إلا على مجرمي السرقات الكبيرة أما الصغيرة فأحياناً لا تستوقفها)، وقبض على مدير الشركة وإيداعه في السجن.

العبرة من القصة أن بعض المسؤولين أصلحهم الله أو خلص البلاد والعباد منهم، قد يدعي المثالية في الإخلاص والأمانة والنزاهة، ويتشدق بها في كل مكان وكل اجتماع، وقد يحاسب أي موظف يخطئ خطأ عفوياً أو بسيطاً، وقد يتسبب في فصله أو الخصم من مرتبه، وفي الوقت نفسه، تجده هو أقل العاملين في إدارته إخلاصاً وأمانةً ونزاهة وانضباطاً.

في الختام أسأل.. (هل في شركتكم حرامي )؟، لا تترددوا وبادروا بالإبلاغ عن أي شبهات فساد مالي أو إداري في أي مكان، إلى هيئة الرقابة ومكافحة الفساد من خلال الهاتف المجاني (980) أو عبر قنواتهم المختلفة، وهذا أقل واجب يمكننا القيام به نحو وطننا العزيز.