أصبح من الغريب ألا تسمع بقصص الموت والقتل اليومي في سورية، وصرخات الثكالى والأطفال المُبكية مع نشرات الأخبار! القتل والقصف والحصار واللاجئون.. ثم نستمع إلى مبعوث الأمم المتحدة يقول: أخشى أن يتحول الوضع في سورية إلى حرب أهلية! لا ندري متى سيعتبر السيد عنان الوضعَ في سورية حرباً؟ أم أنه ينتظر أن يرى قنبلة نووية تنفجر حتى يصدق أن هناك حربا حقيقية، إلا أنها ليست بين دولتين، بل بين نظام إجرامي وشعبِه! لا أدري هل خانت عنان العبارة؟ أم أنه لا ينظر إلا بعيون إسرائيل والمصالح الغربية في المنطقة فحسب!

بعد اندلاع الثورة السورية بفترة وجيزة؛ قام رأس النظام بإرسال مخلوف إلى أميركا، محذرا من أن نجاح الثورة في سورية لن يكون في صالح إسرائيل، وقد نُشرت هذه الرسالة في عدد من الصحف الأميركية آنذاك، وقد صَدَقَهم في ذلك وهو كذوب. فالحقيقة أن إسرائيل لن تجد نظاما إجراميا يحمي حدودها كالنظام السوري الحالي، بل مع تاريخ إسرائيل الدموي لم يسبق أن وقع للفلسطينيين مثل ما يقوم به هذا النظام الإجرامي من عنف وإرهاب في شعبه!

من الواضح لأي مراقب للأحداث في سورية؛ أن هناك ترددا كبيرا من قبل أميركا والغربيين في دعم الشعب السوري بشكل فعال، وبعد أن أصبح عمر الثورة أكثر من عام؛ نجد أن الوضع أخذ يسير بشكل تدريجي نحو تهدئة التصريحات والضغوط الدبلوماسية على النظام! فبعد التهديد بفرض مناطق آمنة، وبفرض حظر جوي وغير ذلك، لم نعد نسمع بشيء من ذلك الآن!

لا أعتقد أن هذا فقط عائد إلى معارضة روسيا والصين، فطالما تجاوزوهما في أحداث كثيرة، آخرها الضربات الجوية على قوات القذافي التي تجاوزت القرار الأممي بكثير، إلا أن المصالح هناك مختلفة! فلا يوجد لدى السوريين نفط ليبيا! ولا توجد إسرائيل بالقرب من ليبيا أيضا. بنظري أن اللعبة تبدأ من إسرائيل، فإذا اقتنعت إسرائيل بجدوى دعم الثورة فإن الغرب سيفعل.

بالنظر إلى التاريخ المعاصر وما تعاقب فيه من أحداث، وبالنظر إلى التيارات السياسية والدينية في المنطقة يجب ملاحظة أن عدم معالجة الأمر بسرعة سيؤدي إلى نشوء بقعة سوداء ستكبر كل يوم، ولا يدري أحد إلى أين ستنتهي تلك البقعة! فليس من صالح إسرائيل ولا دول المنطقة أن يؤول الأمر إلى المجهول.

فلا النظام الإجرامي سيقبل بالتنازل حفاظا على البلد والشعب، ولا الشعب سيقبل المهانة والدنيَّة التي يعيش فيها تحت هذه المأساة! فالاضطرابات ستتواصل ولن تقف، ربما تهدأ ولكنها لن تقف، حيث إن الجدار الذي بُني في سنوات وسقط فجأة؛ لن يعود كما كان بأي حال من الأحوال.

وإذا لم يُعالج الأمر بسرعة فإنني شبه متأكد بأن جميع دول المنطقة ستندم على الموقف السلبي الذي يحصل تجاه الشعب السوري حاليا.

بلا شك أن النظام البعثي يحاول إقناع العالم أن بديله الإرهاب، ولكن الحقيقة أن التأخر في دعم الشعب سيكون بديله إرهابينِ وليس إرهابا واحدا؛ فالحصيلة ستكون بقاء إرهاب السلطة القائمة، وإرهاب المتشددين الذين صنعهم النظام. ثم لا ندري لمن سيكون الحسم بعد ذلك؟ وربما تتطور الأوضاع لتكون أسوأ حالا من الفترة التي تلت احتلال العراق، ولكن الفرق الآن أن الفوضى ستكون بمقربة من إسرائيل، مما سيُعقد الوضع كثيرا، خاصة مع تدخل إيران وحزب الله ومحاولتهما المتوقعة بإشعال المنطقة حفاظا على مصالحهما فقط.

بعد تشابك الخطوط في سورية أصبح واضحا أنها تحولت إلى ميدان لصراع القوى الكبرى في العالم، ولكن الإشكال أن أحد الطرفين قد اتخذ موقفه الحاسم والواضح في تسليح النظام البعثي الفاشي (روسيا وإيران)، والنظام بدوره لا يحافظ إلا على بقائه، ولا يعنيه دمار البلد وخرابه، وأما الطرف الآخر فهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى، ولم يُقدم حتى رصاصة واحدة للشعب السوري الضحية!

الآن وبعد سلسلة المؤتمرات التي قامت بها المعارضة السورية، وبعد وضوح مدى ثبات وإصرار الشعب على خلع هذا الضرس الفاسد الذي عانى منه لعقود، بالإمكان التفاوض والوصول لاتفاق مع المعارضة ودعمها بشتى الأشكال سياسيا وماليا وعسكريا. وأما من يطالب المعارضة أن تتفق وكأنها في مدرسة أطفال، فهذا لا يمكن أن يتحقق في أي بلد، فضلا عن بلد تتنازعه الذئاب من كل صوب! إلا أن المعارضة هناك قد خطت خطوات كبيرة وفعالة في الاتحاد والتنسيق، وأبدت وعياً كبيرا، لكن الأطراف الدولية لم تقابله بالدعم والاعتراف المكافئ لما قامت به المعارضة، سوى ما قامت به دول الخليج من دعم، إلا أن الحاجة مُلحّة إلى دورٍ أكبر من قبل الدول الكبرى المؤثرة من المنطقة.

آمل أن تنتهي هذه المأساة التي يعاني منها إخواننا السوريون، وأن يزول هذا الغمام الأسود قريبا.