أعربت المملكة العربية السعودية عن اعتزازها بأنها كانت من الدول الموقعة على ميثاق سان فرانسيسكو الذي أنشئت بموجبه منظمة الأمم المتحدة، مجددة موقفها الثابت بأهمية الالتزام الجماعي الكامل بالمبادئ الأساسية للأمم المتحدة والأهداف النبيلة التي من أجلها وضع ميثاقها، والمتمثلة في تنظيم العلاقات الدولية وتحقيق الأمن والسلام في العالم، واحترام مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية، ونبذ العنف والتطرف بجميع أشكالهما وصورهما.
جاء ذلك في كلمة المملكة في اجتماعات الدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة التي ألقاها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل أول من أمس، واستعرض فيها مواقف المملكة إزاء العديد من القضايا الراهنة على الساحات العربية والإقليمية والدولية.
دعم جهود مون
استهل الفيصل كلمة المملكة بتجديد الإشادة بالجهود الكبيرة التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في إدارة المنظمة الدولية، حيث نقل إليه تهنئة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي العهد بمناسبة إعادة انتخابه أميناً عاماً للأمم المتحدة لفترة ثانية. وأكد استمرار دعم ومساندة حكومة المملكة له في مهامه الجسيمة المرتبطة بتنفيذ أحكام ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتحقيق الأمن والسلام واحترام أحكام القانون الدولي ونبذ العنف والتطرف في ربوع العالم.
تحديث المنظمة
وتابع وزير الخارجية: تدرك حكومة بلادي أهمية تحديث الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها وتطويرها للقيام بدورها المطلوب، وترى أن الإصلاح الحقيقي يتطلب إعطاء الجمعية العامة دوراً أساسياً في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. كما أن بلادي كانت وما تزال تؤمن بأن أي تطوير لهيكلة مجلس الأمن يجب أن تكون غايته تعزيز قدرات المجلس ليقوم بدوره على نحو فعال وفق ما نص عليه الميثاق. ومن هذا المنطلق فإن بلادي ترى ضرورة البعد عن ازدواجية المعايير في سياق السعي لتحقيق أهداف ومقاصد الميثاق. كما تؤكد على أهمية اقتران ذلك بتوافر الجدية والمصداقية عبر احترام مبادئ الشرعية الدولية وأحكام القانون الدولي ومقتضيات العدالة الدولية.
وأشار إلى أنه من الإصلاحات الهامة في هذا المجال أن يجري تقييد استعمال حق النقض، بحيث تتعهد الدول دائمة العضوية بعدم استخدامه فيما يتعلق بالإجراءات التي يقصد بها تنفيذ القرارات التي سبق لمجلس الأمن إقرارها. ومن الهام كذلك تعزيز دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ودعم التنسيق بين صناديق الأمم المتحدة وبرامجها وأنشطتها.
هيمنة الصراع العربي الإسرائيلي
وحول قضايا الشرق الأوسط، أكد وزير الخارجية أن الصراع العربي ـ الإسرائيلي لا يزال يهيمن ويطغى على كل قضايا الشرق الأوسط.
وأضاف: أن السلام هو السبيل الوحيد لتحقيق أمن الفلسطينيين والإسرائيليين، لكننا نشكك في النوايا الإسرائيلية حين تمتنع إسرائيل عن تقديم أية مبادرات سلمية جادة، بل وترفض ما يطرح من مبادرات.
مبادرة سعودية
وأكد الأمير سعود الفيصل في كلمة المملكة أن الدول العربية عبرت بجلاء عبر مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية، وتبنتها قمة بيروت العربية عام 2002، عن التزامها بتحقيق السلام العادل والشامل الذي يقوم على قواعد القانون الدولي، غير أننا لم نجد التزاماً متبادلاً من إسرائيل.
دعوة للاعتراف
ونتيجة لاستمرار التعنت الإسرائيلي وتعطيل عملية السلام، فإن المملكة العربية السعودية تدعو جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ومنحها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
أحداث عربية
إن الأحداث والتغييرات التي تشهدها المنطقة العربية تتطلب، كما أكد الفيصل، موقفاً مسؤولاً يهدف إلى الحفاظ على استقرار دول المنطقة ووحدة أراضيها، وفي الوقت الذي تحرص فيه السعودية على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول إلا أن قيادة المملكة تشعر بالأسى والحزن العميقين لسقوط العديد من الضحايا المدنيين. وأضاف: دعت المملكة إلى تغليب صوت العقل والحكمة في معالجة هذه الأزمات، وتجنب العنف وإراقة المزيد من الدماء.
وجدد الفيصل إدانة المملكة للعمليات العسكرية الموجهة ضد الشعب الأعزل في سورية الشقيقة. كما ندعو كافة الأطراف في اليمن الشقيق للإعلان بوضوح عن التزامهم الكامل بالانتقال السلمي للسلطة وتنفيذ متطلبات ذلك الواردة في المبادرة الخليجية بشكل عاجل ينهي الأزمة الخطيرة التي تشهدها اليمن.
مساعدات سعودية
إن حكومة المملكة تولي اهتماماً كبيراً بالجهود الرامية إلى تحقيق أهداف الألفية الإنمائية، وقد ساهمت المملكة في الحد من آثار الكوارث الطبيعية وفي مكافحة الفقر والأمراض من خلال تبرعها لصندوق الغذاء العالمي، إضافة إلى الدور الذي قام به الصندوق السعودي للتنمية وتقديمه مساعدات خلال العقود الثلاثة الماضية بنحو 100 مليار دولار استفاد منها أكثر من 90 دولة نامية. وفي مجال الإعفاء من الديون، تنازلت المملكة عما يقارب 6 مليارات دولار من ديونها المستحقة على الدول الأقل نمواً.
ارتفاع الأسعار
إن القضايا الملحة التي يواجهها العالم في مواضيع التغير المناخي والأمن الغذائي وارتفاع أسعار السلع الأساسية تتطلب تعاون المجتمع الدولي في سبيل إيجاد حلول عادلة تأخذ مصالح الجميع بعين الاعتبار. وانطلاقاً من حرص المملكة العربية السعودية على تحمل مسؤوليتها الدولية، فقد أعلنت خلال قمة أوبك في الرياض عن تبرعها بمبلغ 300 مليون دولار لإنشاء صندوق خاص لأبحاث الطاقة والبيئة والتغير المناخي. كما قدمت المملكة 500 مليون دولار لبرنامج الغذاء العالمي لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما ساهم في مساعدة 62 دولة نامية في مختلف أنحاء المعمورة.
مواجهة الإرهاب
وتطرق الفيصل لقضايا الإرهاب بالقول: إن تعزيز التعاون والتفاعل بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من جهة والمنظمات الدولية والوكالات الإقليمية من جهة أخرى لمواجهة ظاهرة الإرهاب سيؤدي إلى التصدي للإرهابيين.
إسهامات المملكة
قدمت المملكة العديد من الإسهامات في مجال مكافحة الإرهاب عبر مختلف السبل والوسائل، ومن ذلك احتضانها المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب في الرياض عام 2005، الذي صدر عنه العديد من التوصيات والنتائج كان أبرزها دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة. واستجابت الأمم المتحدة لفكرة المركز الدولي، حيث جرى التوقيع على إنشائه قبل بضعة أيام في مقر هذه الهيئة.
مبادرات الحوار
إن حماية حقوق الإنسان وسيادة القانون ونشر ثقافة السلام ومبادرات الحوار فيما بين الثقافات والشعوب تعد عناصر أساسية في أي استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب والتطرف. لذلك، فإننا مطالبون بالتعاون الجاد تحت مظلة الأمم المتحدة في سبيل إيجاد المناخ الصحي لنشر قيم الحوار والتسامح والاعتدال، وبناء علاقات تعاون وسلام بين الثقافات والشعوب والدول.
وانطلاقاً من حرصنا على هذه الأهداف النبيلة، بادر خادم الحرمين الشريفين إلى إطلاق دعوته لتبني نهج الحوار بين جميع أتباع الأديان والثقافات، حيث جرت عدة لقاءات جرى تتويجها بانعقاد الاجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة والستين عام 2008 لتوفير أعلى دعم سياسي ممكن لجميع مبادرات الحوار والتفاهم ونشر ثقافة السلام.
والمملكة تعمل الآن بالتعاون مع كل من النمسا وإسبانيا على إقامة مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا، ونأمل أن يتمكن المركز من مباشرة نشاطه في وقت لاحق من هذا العام.