لا شك أن تحويل الصحافة السعودية، ذات الملكية الفردية، إلى صحافة مؤسسات جماعية، بعد عام من إنشاء وزارة الإعلام وتعيين جميل الحجيلان وزيرًا (1382)، أكسبته تحفظ أصحاب الامتيازات القديمة، لكن الجميع يتفق على أنه رجل الإعلام السعودي الحديث ومؤسسه.

يعد ذلك العام، في نظر دارسي الإعلام وتاريخه، عام التحول الحقيقي في المسيرة الإعلامية، إلى عالم أرحب من العصرية والمهنية والانفتاح، فلقد شهد إعادة هيكلة الصحافة، وتحويل ملكيتها إلى نمط من أنماط الشركات.

أما بالنسبة للإذاعة، فلقد خرجت من عزلتها إلى الانتشار في أرجاء الوطن، وافتتحت إذاعة الرياض، وخصصت برامج باللغات الأوروبية.


واتخذت الدولة في أواخر عهد الملك سعود وأوائل عهد الملك فيصل، رحمهما الله، القرار بافتتاح التلفزيون، وبدء الخطوات العملية بإقامة سبع محطات، في غضون 5 سنوات.

وكان للإعلام الخارجي نصيب كبير من هذا التحول، تمثل في الاهتمام بالكتب والأفلام الإعلامية، واستقطاب الكتاب البارزين، العرب والأجانب، لزيارة المملكة، وتوثيق تاريخها وتطورها.

في فترة الحجيلان وزيرًا للإعلام (8 سنوات) كان المحيط العربي مليئًا بالمخاضات والتطورات السياسية والإعلامية، مما اضطر الإعلام السعودي للتفاعل معها، وفي الداخل، حدثت تحولات ثقافية عدة أسهم الإعلام أو تأثر بها، ولا أجدر من هذا الرجل لكتابة تاريخ تلك المرحلة، وهو شاهد عصره الذي يمسك بأطراف الخلفية القانونية والسياسية والإعلامية، فالأستاذ الحجيلان بليغ العبارة، راقي الأسلوب، وكان يكتب المقالات السياسية المعبرة في الصحف السعودية والعربية - تحت اسم مستعار - مما جمعه في كتاب «الدولة والثورة» الذي أصدرته الدار السعودية للنشر سنة 1387.

الحجيلان لم يكن وزيرًا سياسيًّا فحسب، بل كان يشارك في دراسة الكلمة، الموسيقى، والنص، والإخراج، والمونتاج، وكان ينزل إلى الميدان ويقضي دوامه المسائي بين أوراقه والالتقاء بالمهنيين بجوار أستوديوهات الإذاعة والتلفزيون، فكان بذلك (تكنوقراطيًّا) متخصصًا ناقدًا ذواقًا، يتفوق على المتخصصين أنفسهم، كانت الثقة وراء ما أنجزه، ثقة الملك فيصل به، وثقته بنفسه، فكان يتصرف وفق ما يوحيه ضميره، وهو يعرف الخطوط الحمراء والصفراء، ويتحرك في حدودها.

من المؤكد أن واحدة من الإنجازات الإعلامية التي يعتز الحجيلان بتقديمها للمجتمع، هي إفساح المجال إسهام المرأة السعودية في برامج الإذاعة والتليفزيون في حدود قيم المجتمع وعاداته، وكان في مقدمة المشاركات في بداياتها (1382) شقيقته سلوى، وماما أسماء ضياء، وفاتن أمين شاكر وغيرهن. ولد الحجيلان سنة 1347، وحصل على البكالوريوس في الحقوق من جامعة القاهرة، ثم التحق بالعمل الدبلوماسي متدرجًا فيه، حتى أصبح مستشارًا في السفارة السعودية في باكستان، في وقت كان الشيخ محمد الحمد الشبيلي سفيرًا فيها، ثم التحق الفريق علي حسن الشاعر ملحقًا عسكريا لديهما فيما بعد. لاحظ الشيخ الشبيلي سعة الأفق والثقافة لدى الشاب الحجيلان، ولفت أنظار المسؤولين إليه، فعين في رجب 1380 مديرًا للإذاعة والصحافة والنشر (بدرجة وكيل وزارة)* ثم عاد إلى العمل الدبلوماسي بعد 7 أشهر، واختير أول سفير سعودي لدى الكويت.

وفي ذي القعدة 1382 عين أول وزير للإعلام، وفي ربيع الأول 1390 عين وزيرًا للصحة ووزيرًا للإعلام بالنيابة، إلى أن عين الشيخ إبراهيم العنقري وزيرًا للإعلام خلفًا له في رمضان 1390، وتفرغ الحجيلان للصحة.

وبعد 4 سنوات عين سفيرًا للمملكة في ألمانيا، ثم سفيرًا في فرنسا، مدة تقارب 19 عامًا، وتم اختياره عام 1415 أمينا عاما لمجلس التعاون الخليجي، وجدد له لدورة ثانية، وهو يجيد الإنجليزية والفرنسية، وضليع بقواعد اللغة العربية.

1998*

* إعلامي وأكاديمي سعودي«-1944 2019».