ذلك ما كتبه شارل ديلسبس لأبيه فرديناند ديلسبس، مهندس شق قناة السويس، ليثني والده عن شق قناة أخرى تربط المحيطين الهادئ والأطلسي..لكن أباه رفض نصيحته، ولم يملك الابن سوى الرحيل مع أبيه إلى بنما.
للأسف لم يكن ديلسبس ملمّا بطبيعة الأرض، ولم تكن الدراسات التي أجراها معاونوه كافية.
فمنذ بدء العمل، انتشرت بين العمال الحمى الصفراء والملاريا، مما أذهل حتى الأهالي أنفسهم، رغم اعتيادهم على مقاومة تلك الأمراض المستوطنة.
لا بد من التذكير هنا أن الصفات القيادية مفهوم نسبي زمانا ومكانا، قائد الأمس قد لا يكون قائد اليوم. والمدير الناجح في إندونيسيا مثلا، قد يفشل فشلا ذريعا في السويد.
هذه النسبية هي التي تفسر لنا عددا من الظواهر المحيرة:
كيف نجح ديلسبس في شق قناة السويس ولم ينجح في بنما؟ وكيف نجحت خططه هناك وفشلت الخطط نفسها في بنما؟.
هناك عامل مهم يتعلق بنجاح القائد كثيرا ما ينساه المحللون: الحظ! الموهبة لا تكفي، لو لم تجد الظروف المواتية، وكثيرا ما تكون الظروف المواتية من صنع الحظ وحده.
إن أعظم القادة العسكريين لا يستطيع عمل شيء دون جيش مسلح ومدرب، وأعظم السياسيين مهارة لا يستطيع الوصول إلى مبتغاه إذا كان يحارب ضد التيار الجارف.
لم تبرز مواهب تشرشل القيادية على السطح إلا عندما تولى رئاسة الوزراء بعد الحرب العالمية الثانية، وكان وقتها في الخامسة والستين!، اما قبلها فكان مجرد صوت ضائع محاصرا بموجات عارمة لا تريد المواجهة، وتطلب استرضاء هتلر والتعايش معه.
قد يتوهم البعض أن توافر الصفات القيادية في إنسان ما،÷ يعني تحرره من نواحي الضعف البشرية المعتادة كالغرور أو الحسد أو الطمع أو حب المتزلفين، إلى بقية النوازع التي لا يكاد يخلو منها البشر. واقع الأمر أن القائد العظيم ليس بالضرورة أفضل من سواه مسلكا أو أخلاقا، وأذكر هنا عبارة هنري كيسنجر : «لا يوجد أصعب من التعامل الشخصي مع الأبطال».
يمكن تلخيص سبب نجاح القائد الذي غالباما يكون سبب سقوطه في النهاية بكلمة واحدة وهي «العناد».
العناد عندما يتمادى يتحول من نقطة قوة هائلة إلى نقطة ضعف هائلة، وهذا بالضبط ما حدث لدليسبس.