مرت صناعة الفخار بمراحل مختلفة، ورغم أن المواد الأولية واحدة، وطريقة الصناعة واحدة، إلا أن الاستخدامات تغيرت من عصر لآخر، محمد صديق أبو لبن مسن في العقد السابع من عمره، عاصر صناعة الفخار منذ أن كانت تنتج دوارق سقاية الحجيج، وحتى أصبحت تقدم منتجات خزفية جميلة تزين أبهى القصور.
يروى أبو لبن حكايته مع صناعة الفخار منذ الصغر، وعشقه لهذه الحرفة التي ورثها عن والده، يقول "والدي كان يعمل في صناعة الفخار، وقد لازمته منذ كان عمري أربع سنوات، وكانت ظروف الحياة صعبة حينذاك، ولا توجد وسائل ترفيه، كنت مجرد صبي أعمل مع والدي من بعد عودتي من المدرسة حتى صلاة العشاء، وأبقى في المحل أيام الإجازة الصيفية كاملة حتى آخر يوم، وكانت وظيفتي في البداية مجرد صبي يرتب القطع في المحل من دوارق وشراب فخارية، وبقيت في هذه المهنة حتى اشتد عودي، وبلغ عمري عشر سنوات".
وأضاف أن أكبر أحلامه في تلك الفترة من حياته كان أن يجلس على "الدولاب"، وهو آلة معدة لتجهيز القطع الفخارية، وهي عبارة عن دائرة خشبية بها عمود موصول إلى الأرض، ونهايته مدببة، ويجلس الحرفي أو الصانع على هذه الآلة اليدوية، ويحرك الدائرة الخشبية بسرعة تحدد حسب نوعية القطعة الفخارية المراد تنفيذها، وحسب التشكيل المطلوب".
وأشار أبو لبن إلى أن سعادته كانت كبيرة جدا بعدما جلس على الدولاب، وأصبح يصنع قطع فخار قيمة، ويساعد والده بشكل فعلي في المحل، خاصة أن مهنة صناعة الفخار كانت مهمة ومطلوبة في ظل انتشار الزمازمة في مكة المكرمة، وكثرة الطلب على الدوارق الفخارية، وخاصة في موسم الحج بسبب عدم شيوع البرادات والثلاجات في ذلك الوقت". وعن كيفية تصنيع الفخار قال أبولبن "يتم في البداية إحضار الطين، وكنا نجلبه من مختلف مناطق المملكة، ووضعه في حوض ماء، وتركه حتى يتخمر لمدة ثلاثة أيام، وكلما طالت فترة بقائه بالماء كلما كان أفضل وأجود، وبعد ذلك نعجنه باليد ثم ندعسه بالأقدام حتى يصبح الطين لينا وسلسا وخاليا من الشوائب والأحجار، بعد ذلك توضع العجينة على الدولاب، ونشكلها حسب المطلوب، وتترك القطعة بعد تشكيلها ثلاثة أيام حتى تجف، ثم توضع في الفرن حتى تتماسك".
وأوضح أبو لبن أن "الطلب في الأعوام الأخيرة زاد على القطع الفخارية، بعد أن توسع مجال استخدامه، فأصبحت تستخدم في تزيين المداخل والصوالين في المنازل، وفي صناعة أواني الطبخ، والمباخر، والتحف، بخلاف الماضي التي كانت استخداماتها فيه محدودة".
وعن المواصفات التي تستلزمها هذه الحرفة أشار إلى أن هذه الصنعة صعبة وشاقة، وتحتاج إلى صبر وقوة في البدن، وإلى ذوق أيضا، فالقطع الفخارية تحف فنية تحتاج إلى إبداع.
وعن معوقات حرفة صناعة الفخار قال إن ما يؤثر على مهنتهم أن السوق امتلأ بالمنتجات المستوردة التي تتميز بجمال الشكل ولكن جودتها أقل، مشيرا إلى أن الفخارالأصلي يمكن تمييزه عن المقلد بأن له صدى والطينة المصنوع منها صلبة.