في معظم البلدان الديمقراطية، تكون الانتخابات مصداقا للحالة التي تعيشها، وتفاعل شعوبها مع النظام السياسي الذي يحكمها، ودرجة رضاها أو غضبها عن الأداء الحكومي في المرحلة السابقة، وبالتالي فإن النتائج تأتي معبرة عن ذلك الواقع.

لتكن كذلك لا بد من إجرائها وفق ضوابط وشروط، أهمها الابتعاد عن التدخلات الخارجية، وعدم استغلال السلطة والمال السياسي، وتوفير الأمن الانتخابي للمرشحين والناخبين، وتديرها مفوضية حريصة مهنية، تتمتع بالشفافية والنزاهة والكفاءة، بعيدًا عن التدخلات السياسية والحزبية، وعليها يقع الثقل الأكبر في حفظ العملية الديمقراطية، والثقة بنتائج الانتخابات.

يأمل العراقيون من إجراء الانتخابات المبكرة، أن تأتيهم بواقع سياسي جديد يعبر عما يطمحون إليه، من انفراج سياسي وتغيير الوجوه الكالحة، التي لم تجلب الخير للبلد، وأن تأتي النتائج مقاربة لتوقعاتهم ورغباتهم، في إيجاد حكومة جديدة ذات إرادة مستقلة، تنهض بالواقع السياسي والاقتصادي والخدمي، وتعطي وجهًا مشرقًا لعراق جديد، بعيدًا عن منغصات المراحل السابقة، والتي خرجت الملايين رافضة لها في تظاهرات حاشدة، كانت أبرز نتائجها الانتخابات البرلمانية المبكرة.


لكن وكما يبدو أن هناك أيادي كان لها دور في هذه الانتخابات، غير أيادي العراقيين الذين كانوا ينشدون التغيير، واختيار شخصيات تعيد الأمن والاستقرار إلى بلدهم، وتجنبهم مهالك الصراع والفوضي، فخرجت النتائج مخالفة لكل التوقعات، وكأن هناك من غير الإعدادات وتلاعب بالأصوات، من أجل أن يخرجها بالطريقة التي ظهرت، ضاربًا بالحائط كل الطعون والانتقادات والشكاوى، التي جاءت بعد إعلان النتائج الأولية.

تلك النتائج التي سارعت المفوضية إلى نفيها، وأنها غير مسؤولة عنها ولا علاقة لها بها، ثم عادت وقالت إنها النتائج النهائية! دون تغيير يذكر عما سبقها، ثم تبعتها برفض الطعون، وصمت أذنها عن جميع الدعوات المطالبة بإعادة العد والفرز يدويًا، من أجل إعطاء رسائل الاطمئنان للمعترضين والمشككين، حتى أيقن الجميع أن المفوضية مسلوبة الإرادة، ولا علاقة لها بالنتائج المعلنة رغم الجهود الفنية التي بذلتها.

لا يعرف تفسير لإصرار المفوضية على نتائج مطعون بصحتها، إلا أنها ساكتة عن خارطة، تريد إيصال البلاد إلى الفوضى، أو أنها خاضعة لإرادات وضغوط، تريد إخفاء حقائق مهمة عن عمليات التزوير، التي أظهرتها طعون المعترضين، مما جعل المشهد معقدًا سياسيًا وانتخابيًا، والأوضاع ذاهبة باتجاه التصعيد، والنار بدأت تستعر تحت الرماد، بانتظار زوبعة تظهرها للعلن، ليتطاير شررها على الجميع.

ما أريد من الانتخابات المبكرة أن تكون عامل استقرار وانفراج، ولكن يبدو أنها ذاهبة لإحداث فتنة لا تحمد عقباها.