بعد أكثر من 6 أشهر على بدء الاحتجاجات الشعبية في سورية، يحذر خبراء من أن عسكرة الانتفاضة التي تدعو إليها أصوات من هنا وهناك، تعني حتما انزلاق البلاد إلى حرب أهلية مدمرة.
وتقول الباحثة أنياس لوفالوا المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط لوكالة فرانس برس "بعد كل هذه الأشهر من القمع، هناك خطر بأن يلجأ المتظاهرون إلى استخدام السلاح، رغم أنهم في غالبيتهم العظمى حتى الآن لا يزالون يتمسكون بالطابع السلمي لتحركهم".
وتضيف "اللجوء إلى السلاح سيؤدي بالتأكيد إلى حرب أهلية. إذا حصلت عسكرة، ستخرج كل الأمور عن نطاق السيطرة, وهناك خطر بان يستمر النزاع طويلا".
وتؤكد اطراف المعارضة السورية تمسكها بسلمية التحركات الهادفة الى اسقاط نظام الرئيس السوري بشار الاسد، معتبرة إن أي احتكام إلى السلاح يخدم النظام أكثر مما قد يسيء إليه.
إلا أن أصواتا متفرقة ترتفع بين الفينة والفينة في وسائل الإعلام أو على مواقع التواصل الاجتماعي داعية إلى "تسليح الثورة".
ومن واشنطن، رأت وزارة الخارجية الأميركية اليوم (الثلاثاء 2011-09-27) أن "لجوء عسكريين وأفراد في المعارضة إلى العنف ضد الجيش لحماية أنفسهم" لن يكون "أمرا مفاجئا".
وأشادت بسياسة "ضبط النفس الاستثنائي" التي تنتهجها المعارضة السورية "في مواجهة وحشية النظام".
وكان موقع "سوريون.نت" الإلكتروني المعارض نشر في الآونة الأخيرة سلسلة مقالات تطرح "قضية عسكرة الثورة للمناقشة الجادة".
وقال أحدها "لنا من التجربة الليبية الأسوة والقدوة، فقد تمكن ثوارها الأبطال في زمن مقارب لزمن ثورتنا من حسم أمرهم ودحر الطاغية".
وسارت خلال الأسابيع الأخيرة تظاهرات في مدن سورية عدة دعت إلى التسلح والى تدخل دولي على غرار ما حصل في ليبيا.
غير أن الخبراء وقياديي الانتفاضة يحذرون من خطورة الانجرار الى "فخ العسكرة".
وتقول لوفالوا أن النظام السوري "يفعل كل ما في وسعه للدفع نحو العسكرة. هذه الخطوة ستعطيه حججا إضافية للقمع في وقت سيكون هو بطبيعة الحال متفوقا عسكريا لان لديه أسلحة أكثر بكثير مما سيحصل عليه المتظاهرون. كما ستكون له
حجة قوية في وجه المجتمع الدولي ليقول نحن نتعرض للهجوم من مسلحين ولا بد لنا من الرد".
وتؤكد لوفالوا أن "غالبية المتظاهرين لا يريدون الوقوع في هذا الفخ".
ويقول ممثل لجان التنسيق المحلية في سورية عمر ادلبي لفرانس برس "إن الانحراف بالثورة عن مسارها السلمي إلى نمط العسكرة أو الدعوات إلى تدخل عسكري أجنبي من الناتو (حلف شمال الأطلسي) أو من جهات إقليمية، ستفرغ هذه الثورة من مضمونها التحرري وستكون مكلفة ومضرة وطنيا وبشريا".
ويضيف ادلبي الذي هرب إلى لبنان في مطلع شهر يونيو أن "العسكرة ستطيل وقت بناء سورية الجديدة وإعادة اللحمة إلى المجتمع وستدخل البلاد في تمزيق داخلي حقيقي هو شكل من أشكال الحرب الأهلية. في ليبيا، هناك عشائر تقاتل بعضها. في سورية سنكون أمام طوائف تقاتل بعضها".
ويشير رياض قهوجي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (اينجما)، إلى تقارير عن شراء السلاح من جانب المعارضين وعن "عمليات عسكرية محدودة على شكل حرب عصابات ونصب كمائن وعمليات قنص لشبيحة وعناصر جيش، بالإضافة إلى اشتباكات مسلحة في إحراج ووديان في مناطق حدودية"، لكن "النزاع لم يتحول عسكريا بعد".
ولا يرى صعوبة في وصول السلاح إلى الثوار "فالعراق، كما لبنان، على حدود سورية، مكشوفان أمنيا. كما يمكن إدخال أسلحة عبر البحر".
ويضيف أن "خصوم النظام السوري كثيرون ويزداد عددهم مع سياسته الحالية"، وبالتالي "فإن مصادر السلاح قد تكون عديدة".
وبالنسبة إلى قهوجي، السيناريو الأكثر ترجيحا في حال وقوع نزاع مسلح، يكمن في "إقدام إحدى الدول الحدودية، تركيا أو الأردن مثلا، ومن ضمن مجهود دولي، على إنشاء منطقة آمنة تتجمع فيها قوات منشقة وتنطلق منها للقيام بعمليات عسكرية. عندها يمكن الحديث عن سيناريو شبيه بالسيناريو الليبي".
كما يتحدث عن سيناريو يتمثل في "انشقاق كبير داخل الجيش على مستوى لواء بأكمله أو منطقة بكاملها تجعل المنشقين يستعينون بالسلاح والعتاد الموجود بين أيديهم. عندها تتخذ العمليات العسكرية حجما اكبر وتبدأ حرب حقيقية".
وتوقف مراقبون خلال الأسابيع الأخيرة عند تراجع في زخم التظاهرات الاحتجاجية نتيجة ارتفاع حجم الاعتقالات والعنف الذي حصد حتى الآن أكثر من 2700 قتيل منذ منتصف مارس.
ويقول ادلبي "أمام تخاذل المجتمع الدولي عن نصرة الشعب السوري ولو بقرار إدانة يصدر عن مجلس الأمن الدولي، وارتفاع منسوب القتل الأعمى والاعتقالات والتنكيل، بدأت الأصوات الداعية إلى العسكرة تجد آذانا صاغية".
ويرى أن "تردد المعارضة في انجاز برنامج سياسي وقيادة سياسية قادرة على فك حالة الركود في الثورة" يساهم كذلك في ارتفاع تلك الأصوات.
ثم يضيف "هذه ثورة، ستكون مكلفة ومتعبة وطويلة، لكنها بالتأكيد ستنجز هدفها. والأفضل أن ننجز التغيير بأساليبنا الوطنية بعيدا عن التدخل الخارجي والسلاح".