و.. أرخي رأسي كسنبلة، أجلس على كرسيه الجلدي الذي يشبه ما كنت أراه بتلك الأفلام التي تنتهي بصعق أبطالها كهربائياً، أنظر لوجهي وأحدثه بنفسي: كبرت! لم تعد تجدي الحلاقة نفعاً، ها أنت تقترب من الكهولة، حينها لن يهتم حتى وجهك بك، يقاطعني الحلاق متسائلاً ما الذي سيفعله برأسي، "كما تفعل كل مرة" أجيبه، يبدأ بإظهار محاسن أدواته أمامي ليبعث لي رسالة مفادها: نحن الأكثر نظافة على الإطلاق، لا ترتعب أيها المسكون بفوبيا الاتساخ.. وتزامناً مع فركه لوجهي يتحدث معي عن أن الرياض مدينة جميلة، أقول له: "أشك بأنك تعني ذلك"، فسرعان ما يشتمها، متحطماً: "فعلاً ليست جميلة، على وشك أن تطفح سكانياً، قد يلتصق بوجهك مواطن قذفته الجموع".. أحذره من أن الموس الذي انهمك بالحديث عنه يقترب من رقبتي، يضحك: "لا تخف، لن تموت الآن.. سيأتيك خلاصك من هذه الدنيا حين تفكر فيه، هكذا قالت لي جدتي.. يبدو أنك تحب الحياة جداً"، أعلق على ما قال: "نعم، فالظاهر لك أني الوحيد على هذا الكوكب المطحون الذي يهيم عشقاً بالحياة، حالة نادرة أنا أليس كذلك؟ لا تستبعد أن يعلق أحدهم على لوحة كتب عليها: آخر الرجال الذين يحبون الحياة، بينما الآخرون يجلسون مع الموت كل ليلة ليقنعوه بأن يأخذ أرواحهم لكنه يرفض، نعم لا أحد يتشبث بالبقاء حياً لسنوات أُخر إلا أنا.." يقاطعني: "لِم تبدو غاضباً؟ كنت أمازحك"! أخبره أن عليه أن ينهي عملياته التي يرتكبها برأسي. ينتهي الأمر على خير، حين خروجي وبعد أن تفحصت وجهي بالمرآة أتمتم: لا أبدو أني كبرت كثيراً، بعض التفاصيل الصغيرة تخلق فروقاتٍ شاسعة.. حسناً ها أنا أبدو حكيماً من جديد.