منذ سنين وهو يواصل التدمير.. يحصد هنا وهناك، دون تقدير أو تدبير أو حتى توفير، وفي الأوضاع الحالية والتدابير الآنية، لا نرى في الأفق ما يبشر بالتغيير.. لذا سيستمر ذلك الكرسي اللعين مقصلةً للكوادر و الكفاءات.

لا يختلف اثنان على كم الكوادر المتميزة لدينا، ولا على تلك الكفاءات التي تفردت وتميزت في شتى المجالات، والتي عادةً ما تضع بصمتها أينما حلت أو ارتحلت، لكن لذلك الكرسي خصوصيته وهيبته وجبروته.

لذلك فهو لم يرحم أو يستثنِ أحدا...إنه ما زال يواصل التدمير، حتى الذين اعتلوه من رموز وجهابذة في علم الإدارة، لم يستطيعوا أن يطوَعوه، وفي النهاية كان جلهم ضحية من ضحاياه، وأوفرهم حظاً من خرج من الباب الخلفي غير مأسوف عليه.


وبعيدا عن أبجديات التخطيط، وحسن الاختيار وأهمية الأمن الوظيفي والاستقرار، و بعيدا عن أساسيات الكفاءة والملاءة، لم تكن المشكلة يوماً في ذلك الكرسي، ولا هيبته وجبروته أو حتى تعقيداته، وإنما كل المشكلة كانت وما زالت في الوصاية وإغراءات الولاية. لقد كانت وما زالت المشكلة فيما يفرض ويعرض، وفيما يسند للإعلام أو يدخل فيه، خصوصا الإعلام الذي تسيره المصلحة وتغيب عنه المهنية.

إن هذا وذاك هو ما يجعل ذلك الكرسي بعبعاً ومرعباً حتى للكبار، يحترس منه العقلاء، ويهابه الأذكياء، ليس خوفا ولا قصورا، وإنما لأنهم يقرأون الأحداث ويستشفون ما بين السطور، فيرفضون دور كبش الفداء، والعاقل طبعاً من اتعظ بغيره.

إن الإدارة ليست صعبة، وإن كانت فنا لا يجيده الكثير، ليست معقدة وإن كانت تخضع لمقاييس الخبرة والحنكة والكفاءة، حتى وإن تلاشت تلك المقاييس أو قصرت أمام عنفوان المصلحة، والغطاء الإداري وما ألفناه تحت بند الواسطة.

إن الصعوبة يا أحبة والتحدي يكمنان في الضغوط، وتلك القيود التي تفرض الصعوبة، والمعوقات والمطبات التي توضع أو تزرع بشكل أو بآخر، ويمعن أولئك الأوصياء وأعداء النجاح في التطبيق و التمسك بها.

الصعوبة تكمن في كثرة الضغوط، وتكاثر المتربصين، وهذا وحده كفيل بحضور الأخطاء، وفقدان زمام الأمور في غالب الأحيان، وخصوصاً عندما يترك العنان للمحسوبين على الإعلام، و يكثر بهم ومعهم المتربصون، الذين لا يرون من الكوب إلا جزءه الفارغ. أولئك الذين مهما قل القصور، وصغرت الأخطاء عندهم، ستكون أثقل من جبل أحد. لذلك لنكن واقعيين ومنصفين أكثر، في سبيل الأفضل والأجمل، لابد من إعطاء الفرصة، وتحكيم المؤشرات والمخرجات في عملية التقييم، وألا يكون الوضع رهنا بساعته أو إملاءاته.

إذ كيف نرجو فلاحا ونجاحاً، ممن لا يأمن على غده بل ويعرف نتيجته مسبقاً مهما فعل أو قدم؟! لأنه سيبقى في مهب الريح... سيبقى رهنا بالمتغيرات والأهواء والتقلبات، كبش الفداء، «المخرج عاوز كذا».. لابد من تقييم عادل ووضع مؤشرات وقياسات، وتأطير العمل بفترات زمنية معينة، تسمح بالعمل المدروس والمنظم ومن ثم المحاسبة، وإلا سيبقى ذلك الكرسي مقصلة، تستمر في حصد الكفاءات وإزهاق روح العمل والتميز، وسيستمر ميداناً للاستنزاف والهدر ووأد الطموح.