الموقف الأول كنت أزور بيشه في شأن خاص، واتصل بي صديق علم بوجودي هناك، يقدم عزيمة كعادة جبل عليها الجميع، في مملكة الإنسانية والخصال الحميدة، وافقت بشرط أن يأتي ونذهب لتناول الغداء عند صديق في حي مجاور، ربما هنا حينما ربطت الموافقة بشرط، اعتقد الصديق فيما اتضح لي من حديثه ونحن بالسيارة أنه فسره اختبارا، بدليل أنه لم يسأل عن المستضيف وما كان ذاك قصدي، ولكن أوضحت له أنني طمعت في مرافقته لي، لطيبه وشرف صحبته، اقتنع لكن عندما أشرت له بالوقوف أمام منزل المستضيف، حتى استشاط غضبا ووضعني أمام خيارين إما أن يعيدني أو أنزل عند صاحبي ويعود هو أدراجه، حيث حصل سوء فهم اعتقادا منه، أن هنالك اتفاقا بيني وبين المستضيف، لأن بينهما خلافا شديدا، أقسمت له بالله أغلظ الإيمان، بأن المستضيف لا يعلم وأنني لا أعلم أن بينهما خلافا، وخرج صاحب المنزل ليرحب بي، ولكنه استغرب عدم نزولي من السيارة، وعندما لمح الرجل بجواري، أقبل عليه وفتح الباب، وقبل جبينه رغم أنه أصغر منه سنا، وأقسم عليه أن ينزل، أما أنا فخيرني ممازحا بالنزول أو العودة، إظهارا لحجم سعادته بمرافقي، دخلنا المنزل وما زال صاحبي يرمقني بعين الغضب، رحب بنا صاحب المنزل ترحيبا جميلا، وأقسم على العشاء تقديرا للمرافق، حيث كان الغداء حسب اتفاقنا من الثلاجة، رغم أن الثلاجة عند أهل بيشة هي «المزرعة».
وافقت لهما على العشاء بدون تردد، ووافقت على الغداء عند مرافقي بدون تردد، شريطة ألا ندخل في التفاصيل، إذا ليس هنالك حقوق يجب أن ننهيها بالمجلس، لأن الشيطان كما يقولون في التفاصل، وافقا على ذلك.
بعدها بثلاث سنوات فوجئت بالصديقين، يوجهان لي الدعوة لحضور زواج ابن أحدهما على ابنة الآخر، واعتذرت بسبب الجائحة. الموقف الثاني.. اتصل بي صديق يطلب المساعدة إذا كنت أعرف أحدا في مستشفى عام، حيث إنه منوم في غرفة بها أربعة مرضى، وزوجته المرافقة له، ذهبت صباحا إلى المستشفى لعلني أجد له حلا، قابلت المشرف على قسم المرضى، ولم أكن أعرفه قبل ذلك، وشرحت له الحال، ولم يقصر ونقله في غرفة منفردا، ولم أزره في حينها لوجود زوجته معه، فزرته بعد صلاة العصر، فوجدت أشقاءه بجواره، كان استقبال المريض لي منتشيا وسعيدا، لكن أشقاءه الوجوم يعتلي ملامح وجوههم، لم أطل في الجلوس، وعند خروجي لحق بي أشقاؤه معاتبين إياي على نقله في غرفة خاصة، مدعين بأن زوجته ستحرمهم من زيارته لمشاكل أسرية كبيرة.
حقيقة تألمت كثيرا واعتذرت منهم،وبعد شهر دعاني أشقاؤه لمأدبة عشاء، وأصروا على الحضور بالأهل، وأكدوا أنها بمناسبة خروج شقيقهم من المستشفى، سعدت بالخبر وحضرت مع جمع كبير، وحاول الشقيق الأكبر أن يشكرني ويعتذر على مسامع الجميع، فأقسمت عليه ألا يكمل كلامه، وما نعمل يسوقنا فضل الله إليه، والحمدلله من قبل ومن بعد، وبعد العشاء اصطحبت أهلي وأخبروني بأن زوجة شقيقهم موجودة، والسعادة تغمر الجميع.
الموقفان، أولا وأخيرا توفيق من الله، استذكرتهما لما فيهما من العبر الكثير، التي تؤكد أنه لا شيء يعلو على التسامح والتصالح، مع الذات قبل الآخرين، وأن الله عز وجل قد يسوقنا لفعل الخير من دون أن نعلم، ربما حبا فينا وحبا في آخرين كاد الشيطان يفسد ودهم.