بدأ بناء سكة الحديد الأولى العابرة للقارات في الولايات المتحدة الأميركية في عام 1863، وشارك في بنائها المهاجرون الصينيون والأوروبيون. لم تكن المهمة بالسهلة، حيث إن العمل كان يدويا، وكانت آلام المفاصل تؤرق العمال، وخاصة الأوروبيين منهم ليهب لنجدتهم رفاقهم الصينيون بزيت الثعبان كمسكن للآلام، الذي اكتسب سمعة ورواجا هائلا فيما بعد كدواء سحري فعال مؤثر وبمكونات سرية.

هذا الدواء الذي تربع على عرش الاستخدامات المتعددة لمدة من الزمان سقط عندما أتى الطب الحديث وأثبت أنه لا فعالية له وأنه لا يحمل أي فوائد طبية، ولم يتبق من أسطورة زيت الثعبان سوى مرادفاته لكل ما هو مغشوش ومزور ومراوغ، كالمسؤولية الاجتماعية للبنوك في المملكة.

أظهرت تحاليل البيانات الأولية للمؤشر السعودي للتنافسية المسؤولة لعام 2008 ـ كما نشر في إحدى الدراسات ـ أن القطاع المالي لم يمثل سوى 22? من أنشطة المسؤولية الاجتماعية للشركات كافة في المملكة. هذه الأنشطة تصب غالبيتها في تبرعات للجمعيات الخيرية (التي لا تعلن عن حساباتها الختامية) وبعض الأنشطة الإعلامية كرعاة لاحتفالات وتكريمات من مبدأ تسويقي بحت.

البنوك التي تغص الشوارع بفروعها وتزدان المدن بمبانيها الرئيسة لا تلقي بالا – إلا ما ندر – للمجتمع الذي فتح جيوبه لها، ولا تلقي بالا لخطط الدولة التنموية لتنثر بضعة من ريالات هنا وهناك، وتلحقها بمنٍ مؤذٍ على هيئة حملة دعائية كزيت ثعبان بلا أثر.

المسؤولية الاجتماعية للبنوك بحاجة لمراقبة ومحاسبة. البنك الذي لا يسهم في بناء ممشى لسكان حي تضاء شوارعه بأنوار فرعه لا يستحق الدعم ولا التكريم. البنك الذي لا يسهم مع الدولة في ترميم وإعادة تأهيل المدارس المهترئة لا يستحق الإشادة والجوائز. البنك الذي لا يدعم الأبحاث العلمية للأمراض المنتشرة في المجتمع ولا يقوم برعاية حفل ختامي لجمعية خيرية صحية لا يستحق الذكر. البنك الذي لا يسهم في المحافظة على الإرث المجتمعي وثقافته وتعزيزها لا يحق له التنطع بشعارات وطنية. البنك الذي لا يقوم ببناء نواد رياضية صحية وتجهيزها في الأحياء السكنية والمدارس لا تفتح له الأذرع ولا تسهل له الإجراءات.

ثقافة المسؤولية الاجتماعية بحاجة إلى إنعاش لدى أفراد المجمتع والمسؤولين التنفيذيين معا، فدور "حماية المستهلك" ضعيف لدرجة أنها لم تسلم بداية العام الحالي من انتقاص وتهكم الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية "سمة" منها حينما صرحت الجمعية عن نيتها فتح ملف الفوائد البنكية، فهي في نظر "سمة" جمعية غير منتخبة من المجتمع الاستهلاكي، تعتمد فقط على ما يقال في المجتمع، ولهذا السبب لعل جمعية حماية المستهلك تقوم باستعراض مشروعات المسؤولية الاجتماعية لهذه البنوك وقياس تأثيرها على المستهلك حتى يتسنى للمجتمع الاستهلاكي غير القادر على الانتخاب كما تراه سمة والذي يعتمد فقط على القول القيام بمقاطعة البنوك التي على ما يبدو لا تهتم بما يقوله المجتمع ولا بمن يمثل صوته.

استغلت البنوك في المملكة ضبابية مفهوم المسؤولية الاجتماعية لدى المواطنين وضعف التوعية به، وساعدها على ذلك بيروقراطية الإجراءات الحكومية ورتابة الإعلام في تسليط الضوء على ما تملكه هذه البنوك من أنشطة "حقيقية" فتتساوى بنظيراتها السرابية. حتى تلك البرامج الحقيقية التي تقوم بها قلة من البنوك من باب المسؤولية الاجتماعية لا يتم قياس تأثيرها على المجتمع ورضا المواطنين عنها، وكأن وجودها من عدمه هو المعيار، عوضا عن قياس جودة هذه البرامج وفاعليتها وتأثيرها، فلا وجود لأي استطلاعات رأي منشورة أو بحوث مجتمعية توضح مدى فاعليتها.

المؤشر السعودي للتنافسية المسؤولة بحاجة أيضا إلى إصدار تقرير سنوي للإعلام والمواطنين بأداء ونشاط الشركات، وخاصة القطاع المالي، حتى يتسنى للدولة دعم وللمواطنين اختيار البنك الذي يحترمهم أفرادا ومجتمعا ويشاركهم همومهم ويتفاعل معها بإيجاد حلول متوافقة مع الأولويات التنموية الوطنية وألا تخدعهم بضع قطرات من زيت الثعبان.