حرّمت الأديان السماوية كافة «الكذب»، كما تمقته فطرة الإنسان السوية أيًّا كان دينه أو مذهبه، ولكن هل تساءلت يومًا عن السبب؟. تشير العديد من الدراسات إلى أن الصدق يعزّز الصحة النفسية، وإلى أن الكذب يستهلك عددًا أكبر من الخلايا العصبية مقارنة بقول الصدق، وبأن الأشخاص البالغين يشعرون بالرضى عن أنفسهم عندما يقولون الصدق، على عكس ما يشعرون به عند الكذب، وهذا يشير إلى أن الإنسان قد خلق بقيمة داخلية إيجابية تحثه على قول الصدق.

واعتبر العديد من علماء النفس أن القيم التي يؤمن بها الإنسان هي التي تحدد سلوكه وتضبطه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنّة» متفق عليه، فعندما يكذب الإنسان فهو يظهر نفسه بشخصية مستعارة لا تشبهه، تتناقض مع شخصيته الحقيقية، وبذلك يعاني من سلوك مزدوج، ويتورط في مواقف محرجة تضطره للتمادي في الكذب.

في عام 1999م أشارت دراسة أجرتها جامعة (Stanford) إلى أن عملية الكذب تتم في مقدمة الدماغ «الناصية»، وهي منطقة رئيسية لعمليات التفكير والتركيز والذاكرة، وأكدت الدراسة أنه عندما يكذب الإنسان تنشط هذه المنطقة في عقله بشكل مفاجئ، وإذا أصيبت هذه المناطق في الدماغ فإن الشخص سيفقد التمييز والمبادرة، وستتناقص قدراته العقلية، وتهبط معاييره الأخلاقية.


ويعتبر القرآن الكريم أول كتاب سماوي أشار إلى علاقة هذه المنطقة في الدماغ بالكذب، وذلك في قوله تعالى: «كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية*ناصية كاذبة خاطئة»- العلق: (15-16).

استطاع العلماء بمساعدة جهاز المسح المغناطيسي الوظيفي للدماغ إثبات أن الصدق لا يكلف الدماغ أي جهد، فالصادق يتذكر الذي حدث بكل بساطة، أما الكذب فيتطلب طاقة كبيرة ويستنزف الخلايا العصبية؛ لأن الكاذب يبذل مجهودًا في تذكر ما يريد إخفاءه، وأن يؤلف رواية مخالفة للواقع لتحقيق غرضه، كما عليه أن يقدم أداءً تمثيليًا مقنعًا.

وبحسب جمعية علم النفس الأمريكية؛ فقد أشارت دراسة إلى الارتباط الوثيق بين الصدق وتعزيز الصحة النفسية، وبين الكذب وأثره السلبي على الصحة النفسية، فمن كانوا يكذبون خلال حياتهم اليومية، كانوا يعانون من الكآبة والتوتر.

وخلال مدة الدراسة تبين وجود صلة بين الحد من الكذب وتحسن الصحة لدى المجموعة التي تلقت تعليمات بعدم الكذب حسب ما كشفت الدراسة، وعندما قل عدد الأكاذيب التي قالها أفراد تلك المجموعة عن الأسابيع السابقة، قل عدد شكواهم من متاعب نفسية بمقدار 4 مرات.

يقول خبير التنمية البشرية «أيمن فتيحة» إن العديد من الأفراد قد يرسمون صورة على وجهوهم مختلفة تمامًا عما يضمرونه بداخلهم، وهو ما يعتبر وسيلة لزيادة فكرة الصراع الداخلي، الذي يحدث داخل الإنسان بمرور الوقت، والذي ينتج عن رفض الإنسان للصدق مع نفسه، مما يبعده عن تحقيق السلام النفسي الداخلي. ويمكننا القول إن الطاقات المهدرة على الكذب مهما كان لون الكذبة «بيضاء أم صفراء أو غير ذلك..»، هي خسارة تكلّف صاحبها نفسيًا وعقليًا وجسديًا، كما أن الكذب يحرم الإنسان من نعمة الهداية، ويمكن تجاوز تلك الخسارات الفادحة دنيويًا وأخرويًا، من خلال الصدق.