لم يدر في خلد علي بن عبدالله بن محمد آل محيف الذي يناهز عامه الخامس والثمانين، عندما بدأ ممارسة هوايته القديمة التي شبهها كثيرون في بداية احترافه لها بالسحر، أنه بدأ رحلة من التأريخ المصور للحياة في المنطقة الشرقية، التي غلفتها رائحة البحر بكل مهنها المختلفة التي احترفها سكان المنطقة وعشقوها بحلوها ومرها، من صيد إلى استخراج اللؤلؤ، والغوص، وصناعة السفن وغيرها من مهن أثرت في أسلوب حياة أهالي المنطقة. فقد ولد علي في 1347 في مدينة سيهات شرق المملكة في منطقة عرفت بالصيد والغوص واللؤلؤ، ورحل إلى البحرين صغيرا وعاش فيها فترة من عمره، وهناك عمل في شركة بابكو بعد أن خاض غمار البحر قبل ذلك، بعدها دارت السنوات لتعيده إلى مسقط رأسه ليعمل في شركة أرامكو السعودية حيث بدأ هوايته مستفيدا من الشخصيات التي تفد إلى الشركة، وقد بدأ التصوير في عام 1948 مستخدما أربع كاميرات أولاها كانت من نوع "نيكون" اشتراها من مملكة البحرين بثلاثين روبية ومازال محتفظا بها جميعها حتى يومنا هذا.

وثق علي بكاميرته ذات اللونين الأبيض والأسود لحقبة مهمة غير آبه بنظرة الناس المستغربة منها، إذ اختلفت نظراتهم إليها فمنهم من يهرب كخائف منها، والبعض يصاب بدهشة عندما يشاهد انعكاس صورته على قطعة من ورق حتى إن الصورة الفوتوجرافية عرفت قديما بـ"العكس"، وآخرون لا يبتعدون بردود أفعالهم عن شجار يفتعلونه معه عندما يعلمون بتصويره لهم، فقد كانت مهنة من مهن المصاعب في تلك الفترة، إلا أنه أحب كاميرته التي لم تفارقه منذ عرفها، وكما يقول من يجرب التصوير لا يستطيع أن يتركه.

وشهدت بداية العم علي مع التصوير الكثير من الصعوبات التي قد تجبر غيره على ترك عمله، من بينها على سبيل المثال أنه كان يذهب بأفلامه إلى البحرين لتحميضها وإظهار الصور حتى افتتح أول أستديو في المنطقة الشرقية.

ومن يزور مجلس علي يعتقد أنه في معرض دائم للصور الفوتوجرافية التي يغلب عليها البورتريه، فهو يوثق لكل شخص في مدينته، فما أن تكون هناك مناسبة حتى يسارع العم علي لتصوير الحاضرين فيها، كما أنه يحرص على الحصول على صور أي متوفى ما أن يسمع بوفاته، ويجد تجاوبا من الجميع لطلبه هذا، كما أنه بدوره يتعاون مع من يريد الحصول على صورة لقريب أو صديق متوفى فيعطي الأفلام والصور دون مقابل.

أما فكرة جمع صوره في معرض فقد كانت اقتراحا من أحد الأصدقاء بعمل شيء يعرف الناس بالعم علي. فكان أن جمع الصور وعمل معرضا دائما لها، مركزا على صور الأموات التي وجد في جمعها الثناء والتقدير من أهالي المتوفين الذين يحضر بعضهم أحيانا لمشاهدة صور أقاربهم بين الحين والآخر، فمجلس العم علي مفتوح دوما للجميع، ثم تطور المعرض حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، حيث ينقسم المعرض إلى قسمين أحدها للأموات وآخر للأحياء حتى وصل العدد إلى أكثر من خمسين ألف صورة هي حصيلة 65 سنة من التصوير.

وإضافة إلى الصور المعلقة بالمعرض يحتفظ علي بألبومات كثيرة لم نحصها أثناء المقابلة.

ويحكي علي عن بعضها وتحكي الأخرى عن نفسها، في باطنها يحتفظ الحاج بأهم ما سجلته كاميرته ففيها صورة عزيزة على قلبه وعلى قلوب كل السعوديين التقطها بنفسه للمغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراه عندما زار المنطقة الشرقية.

كما يحتفظ بصور لكل من الملوك خالد وسعود وفيصل وفهد -رحمهم الله-.

وتضم مجموعته صورا لمدن المنطقة ومعالم ومرافق لم تعد موجودة الآن منها قلعة القطيف وميناؤها القديم، كما كانت لكل دولة زارها صورة في ألبوماته.

ويقول علي إن ابنه محمد هو الوحيد من أبنائه الذي ورث حب التصوير عنه والخوف عليها، ومع ذلك فهو مع إخوته في معارضتهم مشروع العم علي في فتح غرفة أخرى من غرف المنزل لتضم ما عجز مجلسه عن ضمه من الصور، فيعلق محمد قائلا: وهل سنعيش وسط الصور في كل غرف منزلنا؟ مطلقا ضحكة تعبر عن سعادته بهواية والده، وممتعضا في الوقت نفسه من كثرة الصور التي ترقد على الأرض ولم يعد يتسع لها المكان بين جدران المنزل، إلا أنه لم يخف سعادته وهو يشرح صوره المعلقة منذ نعومة أظافره وكذلك إخوته، كما كل أبناء مدينته الذين يندر ألا يكون لأحدهم صورة وهو طفل أو كبير لديهم، كما أن البعض يستعيرون صور أقاربهم المتوفين من معرض العم علي، فهو بمثابة أرشيف وطني لجميع أهالي المنطقة يجب المحافظة عليه، كي لا يذهب ضحية الإهمال والنسيان.

ورغم كبر السن ومصارعته للمرض لا يمل علي من تقليب صوره والبحث بينها مرارا وتكرارا، فكأنما بينه وبينها حكايات وأسرار، ويؤكد أن الصور توثق للمراحل التي صورت فيها كما أنها تعلم أجيال اليوم بمدى ما وصلت إليه بلادنا من نهضة وتطور من خلال المقارنة بين الأمس واليوم، ويشير إلى أن للصور قيمة لا تقدر بثمن تاريخيا وفنيا لذلك لا يحب أن يفرط فيها لأنه يعتبرها ثروة.