المكياج يرتدي وجها... كلا لم أخطئ بالتعبير فهذا ما نراه اليوم، في غالبية الصور التي تمر علينا، ما نراه فعليا ليس الوجه، بل طبقات وطبقات من المسحوقات التجميلية، التي تغرقنا بها إعلانات منتجات التجميل، يضحكون علينا ويسمون بعض المنتجات، بأنها ستساهم في إظهار الشكل طبيعيا، أو كما يُدعى عند البعض بالمكياج الطبيعي، ولكن في حقيقة الأمر أنه لا يختلف عن بقية أخوته، وأخواته وعمومته وخيلانه، من أنواع مظاهر التجميل، حتى السلوكيات والتعامل مع الحياة، أصبحت لديهم طرق تعلمك، كيف تظهر بطريقة تجعلك مقبولا لدى الناس، أي أن تلبس هنداما غير هندامك، وتضع وجها غير وجهك، وتتصرف بطبع غير طبعك، بل أن تعيش وكأنك على خشبة مسرح، في انتظار دائم لرضا وتصفيق الجمهور، الفرق هو أن الممثل ينزل من على خشبة المسرح، يزيل عن وجهه المساحيق، يغير لباسه ويعود إلى حياته، بينما نحن فمن المفروض أن نكون على طبيعتنا، فقط حين لا يكون أي شخص خارج دائرة حياتنا موجودا، بمعنى أن ترسم شخصية وتلبسها وتجملها، وتبثها للعالم على أنها أنت.

ماذا يعني هذا؟ أنك تبقى في حالة عدم الرضا عن ذاتك ومظهرك الخارجي، أن تبقى تبحث عن «الجمال»، وبدلا من أن تكون على وفاق وتصالح مع ذاتك، تعيش في حالة نفور ورفض لها، عندما ترى نفسك في المرآة، عادة ما تكون على طبيعتك، ويكون الأمر بالنسبة لك عاديا ومقبولا، ولكن الأمر بالنسبة لعدسة أي كاميرا مختلف جدا، فالكاميرا تظهر لك شخصا غير الذي تراه في المرآة! ما العمل إذن؟. بسيطة هنالك العديد من التطبيقات التي تحسن الصورة، من تصغير الوجه ونفخ الشفاه وتضييق الأنف، إلى توسيع العيون وتكثيف الرموش ورسم الحواجب، بل وتفتيح البشرة وإضافة الرونق والنضارة إليها. هل هذا أنت؟ بالطبع لا، ولكن لا ضير في أن تجعل الآخر يعتقد بأنه أنت!، وترتاح نفسيا إلى أن يأتي وقت التقاط مشهد آخر لك، وتبدأ عملية التحويل من جديد، قد تكون لأيام وقد تكون لساعات وقد تكون للحظات، كل ذلك يعتمد على مدى إدمانك لحب الظهور وتجميل مظهرك الخارجي، والآن لنفكر قليلاً، ما الثمن؟!.

أفلام هوليوود والإنترنت، ووسائل الإعلام المطبوعة والمرئية، حاولت لفترة طويلة تعريف الجمال، وإنشاء معايير لمن يعتبر جميلًا أو قبيحًا، لسوء الحظ، فإن بعض التصورات التي تُبث خاصة للإناث، هي أنك جميلة إذا كان لديك بشرة فاتحة، وجسد كالساعة الرملية، وشعر ناعم أملس، وملابس فاخرة، ما يحدث هو أن ما يبث، يحمل رسالة مبطنة بأنك لن تكوني جميلة إن لم تضاهِ «الفاشينيستات» وعارضات الأزياء، والممثلات والمغنيات، ليس فقط بالملبس، بل بالجسد وتشكيلاته، وبأنك لن تكوني جميلة وجذابة، إلا إذا كنت ترتدين ملابس، تكشف عن مواضع مختلفة من جسدك، ولا تترك شيئًا للخيال.


شاهدت مؤخرا فيلما قصيرا يدعى «تمويه اليمامة»، والذي أطلق كحملة توعوية في 2007، وهو عبارة عن مقطع فيديو مدته دقيقة، يسلط الضوء على سوء الفهم للجمال، ولزيادة الوعي بالصور، التي يتم التلاعب بها وتسويقها على أنها المنتهى والمبتغى. يبدأ الفيلم بـفتاة جميلة لكنها عادية، تدخل وتجلس في الأستوديو، بعد ذلك تنتقل الكاميرا إلى تسلسل زمني سريع، حيث تظهر فنانة المكياج والشعر، وهي تعمل على تجميل الفتاة وتصفيف شعرها، لتحولها إلى عارضة أزياء رائعة الجمال، وبعد إجراء التعديلات النهائية لمظهر الفتاة، يتحرك جميع أعضاء الفريق بعيدًا عن كادر الكاميرا، وتبدأ سلسلة من ومضات الكاميرا، حيث يلتقط المصور المحترف لقطات لها في أوضاع مختلفة، بعدها تحدد لقطة واحدة من مجموعة الصور، لتنقل فيما بعد إلى برنامج لتحرير الصور، ومن خلاله تجرى سلسلة من تعديلات المظهر بشكل أدق وأعمق، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر: إطالة رقبتها، وضبط منحنى كتفيها وتغيير شعرها وجلدها وتضخيم عينيها وفمها، إلى أن تخرج الصورة النهائية للفتاة، والتي أصبحت الآن شخصا آخر تماما. بعد ذلك ينقل المنتج النهائي إلى واجهة لوحة إعلان، لعلامة تجارية وهمية لكريم أساس، وفي النهاية يختفي كل شيء لتظهر عبارة: «لا عجب أن تصورنا للجمال بات مشوهًا». تشاهد الفتيات والنساء خاصة الشابات منهن، والشباب أيضا بما أنهم أصبحوا يشكلون سوقا استهلاكيا جديدا، هذه الصور المشوهة أو لنقل المموهة كل يوم، في جميع أنحاء العالم، حيث نجدها على اللوحات الإعلانية والمجلات، ومقاطع الأغاني والموسيقى، وتسبب هذا التزوير لصور الجسد، والبث غير الواقعي عن ماهية الجمال، بالكثير من الأزمات لدى هذه الفئات، خاصة فيما يخص تقدير واحترام الذات، والأخطر أنها تشوه الهوية النوعية، ونصدم أحيانا لعدم قدرتنا على التمييز ما بين الذكر والأنثى!.

إننا لو بحثنا لن نتوصل إلى تعريف عالمي للجمال، لأنه ببساطة لا يوجد ولا ينبغي له أن يكون، لذا نحن بحاجة لأن نُقَدّر الجمال الفريد، داخل كل واحد منا، فليس مطلوبا أن نكون مثل الذين نراهم على الإنترنت. وما نحتاج أن ننتبه إليه اليوم، ونعمل على بنائه حرصا على الصحة النفسية، وترسيخ الأخلاق، هو تعزيز الثقة بالذات لدى أبنائنا، والتوضيح لهم بأن الجمال ليس فلاتر فوتوشوب وإنستجرام... الجمال ليس إبهارا وإدارة رؤوس، وليس مجاراة أو تحديا. الجمال هو تقبل الذات وتقديرها، لأنه أمر شخصي موضعه في أذهاننا، نحن نقرر ماهيته ويجب ألا نسمح لأي أحد أن يفرضه علينا!.