أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أمس، مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضواً اعتباراً من الدورة القادمة وفق الضوابط الشرعية، كما وافق على ترشيح المرأة نفسها لعضوية المجالس البلدية، ولها الحق كذلك في المشاركة في ترشيح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف.
وقال الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خطابه لدى رعايته أمس اللقاء السنوي للسنة الثالثة للدورة الخامسة لمجلس الشورى، إن كفاح والد الجميع الملك عبدالعزيز مع أجدادكم - يرحمهم الله - أثمر وحدة القلوب، والأرض، والمصير الواحد، واليوم يفرض علينا هذا القدر أن نصون هذا الميراث، وألا نقف عنده بل نزيد عليه تطويراً يتفق مع قيمنا الإسلامية والأخلاقية.
وأضاف، نعم .. هي الأمانة والمسؤولية تجاه ديننا، ومصلحة وطننا، وإنسانه، وألا نتوقف عند عقبات العصر، بل نشد من عزائمنا، صبراً، وعملاً، وقبل ذلك توكلاً على الله - جل جلاله - لمواجهتها. إن التحديث المتوازن، والمتفق مع قيمنا الإسلامية، التي تصان فيها الحقوق، مطلب هام، في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين، والمترددين.
وأضاف: يعلم الجميع بأن للمرأة المسلمة في تاريخنا الإسلامي، مواقف لا يمكن تهميشها، منها صواب الرأي، والمشورة، منذ عهد النبوة، دليل ذلك مشورة أم المؤمنين أم سلمة يوم الحديبية، والشواهد كثيرة مروراً بعهد الصحابة، والتابعين، إلى يومنا هذا.
ولأننا نرفض تهميش دور المرأة في المجتمع السعودي، في كل مجال عمل، وفق الضوابط الشرعية، وبعد التشاور مع كثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء، وآخرين من خارجها، والذين استحسنوا هذا التوجه، وأيدوه، فقد قررنا التالي:
أولاً: مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضواً اعتباراً من الدورة القادمة وفق الضوابط الشرعية.
ثانياً: اعتباراً من الدورة القادمة يحق للمرأة أن ترشح نفسها لعضوية المجالس البلدية، ولها الحق كذلك في المشاركة في ترشيح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف.
وقال، من حقكم علينا - أيها الإخوة والأخوات - أن نسعى لتحقيق كل أمر فيه عزتكم وكرامتكم ومصلحتكم.. ومن حقنا عليكم الرأي والمشورة، وفق ضوابط الشرع، وثوابت الدين، ومن يخرج على تلك الضوابط فهو مكابر، وعليه أن يتحمل مسؤولية تلك التصرفات.. هذا وأسأل الله لنا جميعاً العون والعزة والتمكين.
نص كلمة الملك عبدالله
الحمد لله الذي أثنى على عباده المؤمنين فقال "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
أيها الإخوة أعضاء مجلس الشورى
السلام عيكم ورحمة الله وبركاته:
بسم الله، وعلى بركته نفتتح أعمال السنة الثالثة من الدورة الخامسة لمجلس الشورى سائلا الله العلي القدير أن يبارك أعمالنا وجهودنا إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
أيها الإخوة الكرام:
يسرني في هذا اللقاء السنوي الذي يجمعني بهذه النخبة الطيبة من أبناء الوطن أن أستعرض معكم مسيرة عام كامل، سعت فيه الدولة لتحقيق أهدافها وطموحاتها من أجل خدمة المواطن ورفاهيته. ويأتي لقاؤنا بكم متزامنا مع مناسبة اليوم الوطني الحادي والثمانين للمملكة العربية السعودية، الذي رسخ لنا جميعا عظمة الإنجاز الذي تحقق ولله الحمد على يدي مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله -، وسار على نهجه ومسيرته من بعده أبناؤه الملوك رحمهم الله جميعا.
وإذ نهنئ شعبنا الكريم بهذه الذكرى التي نستلهم منها الدروس والعبر، فإننا نؤكد إصرارنا على المضي في تذليل جميع الصعاب وتسخير الجهود والأخذ بأسباب الرقي لتحقيق التطور في جميع أرجاء الوطن وفي شتى المجالات. وفيما يموج العالم من حولنا بأحداث وتداعيات ومتغيرات تواصل بلادكم مسيرتها التطويرية وتنعم بالأمن والاستقرار في ظل وحدة وطنية تعكس ولله الحمد وبجلاء علاقة التلاحم والوفاء ما بين قادة هذه البلاد وشعبها الوفي النبيل.
رفاهية المواطن
وكنا قد أصدرنا بعد عودتنا من رحلتنا، عدة قرارات شملت قطاعات متعددة وشرائح متنوعة، نصبو من خلالها تخفيفاً للأعباء وتوفيرا لأسباب الحياة الكريمة المعاشة لكل مواطن ومواطنة، حرصا منا على تعزيز العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتلبية لاحتياجات ومتطلبات شعبنا لينعم بحاضر كريم ويطمئن إلى مستقبل آمن لأجياله القادمة بإذن الله، ومن هذا المنبر أقول لكل الوزراء ومسؤولي الجهات الحكومية كافة، لقد اعتمدت الدولة مشاريعها الجبارة ولم تتوان في رصد المليارات لتحقيق رفاهية المواطن، والآن يحتم عليكم دوركم من المسؤولية والأمانة تجاه دينكم وإخوتكم شعب هذا الوطن الأبي ألا يتخاذل أحدكم عن الإسراع في تحقيق ما اعتمد، ولن نقبل إطلاقاً أن يكون هناك تهاون من أحدكم بأي حال من الأحوال، ولن نقبل الأعذار مهما كانت. عام مضى من العمل المتواصل على الصعيدين الداخلي والخارجي نحاول من خلاله تقويم ما تم من إنجازات وما واجهناه من تحديات، وأن ننظر بعين التفاؤل لما نصبو إلى عمله مستقبلاً. نبراسُنا في الطريق عقيدتنا السمحاء، ثم جهود أبناء الوطن المخلصين الذين حملوا الأمانة على أعناقهم بالحفاظ على هذا الكيان الشامخ بأمنه واستقراره وسلامة قاطنيه، مستشعرين بأهمية الانخراط في تطوير جميع مرافق الدولة لرفع كفاءتها. ورغم ما تم من إنجازات، فإننا نراها أقل من طموحاتنا، لأننا نطمع بالمزيد بما يعود بالخير الوفير على شعبنا.
وبما أننا في عالم متغير، فإننا عازمون - بعون الله - على الاستمرار في عملية التطوير، وتحرير الاقتصاد، ورفع كفاءة العمل الإداري، والعمل بسياسات متوازنة لمستقبل مشرق بإذن الله، وإذ كنا قد حصدنا ما غرسه الآباء والأجداد، فإن مسؤوليتنا تتعاظم، فالكم ليس مهما بقدر أهمية نوعية المحصول ليجني الأبناء والأحفاد الفائدة القصوى منه.
استقرار الوطن
أيها الإخوة الكرام: إن استقرار الوطن ووحدته هو صمام الأمان - بعد الله - ولا نسمح بأي حال من الأحوال ما يشكل تهديدا للوحدة الوطنية وأمن المجتمع. فإحياء النعرة القبلية واللعب على أوتار الصراع المذهبي، فضلا عن تصنيف فئات المجتمع وإطلاق نعوت ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان، ناهيك عن استعلاء فئة على فئة أخرى في المجتمع، كلها أمور تناقض سماحة الإسلام وروحه ومضامينه.
إن التمسك بالوحدة الوطنية وتعزيز مضامينها أمر له ضرورة وأولوية، وعلى كل منا أن يضعه نصب عينيه، مؤملا أن يكون ضمن محور اهتمامات وطروحات مجلسكم الموقر. كما أن استمرار الحوار الوطني كأسلوب للحياة ومنهج للتعامل مع كافة القضايا، وتوسيع المشاركة بين جميع مكونات المجتمع السعودي أمر في غاية الأهمية من أجل تعزيز الوحدة الوطنية، ومعالجة القضايا المحلية، وإيجاد قناة للتعبير المسؤول، وهي الأهداف التي يستند عليها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي كنا قد دعونا لإنشائه منذ بضع سنوات، لقناعتنا بأهميته كمظلة تسعى لتوفير المناخ الملائم للحوار الوطني.
لقد كان أمن الوطن، من أُولى الواجبات التي تشرّفت بأدائها الجهات الأمنية التي أثبتت - ولله الحمد - قدرتها على مواجهة فلول الإرهاب، وهي ولله الحمد عازمة على تحقيق المزيد من النجاحات في ظل قدرة الكفاءات العلمية والعملية، القيادية منها والفردية التي يتمتع بـها منسوبوها للحفاظ على مكتسبات التنمية.
وقد أثبتت التجارب والمواقف أن المواطن هو رجل الأمن الأول، وشريكٌ رئيس في لوحة الإنجاز التي سطرتها الأجهزة الأمنية في دحض الدعاوى الباطلة، والآراء الشاذة، وإحباط المخططات الإرهابية التي وضعتها الفئة الضالة رغبة منها في استهداف أمن البلاد ومقدراته، والتغرير بأبنائه مرتهنة لأسلوب الانتقائية وتوظيف النص والتفسيرات البشرية الخاطئة المتطرفة في كل ما يدعم توجهاتها، وديننا الحنيف براء من كل ذلك، فهو دين رحمة وتسامح وصفح.
الأمن المائي
وفضلا عن أهمية الأمن الوطني، فإن هناك الأمن المائي الذي لا يقل أهمية، ويُعدُّ أحد الأهداف الاستراتيجية لخطط التنمية في المملكة، والداعمة له من خلال التوسّع في إنشاء محطات تحلية المياه المالحة، وبناء السدود، لتعزيز الثروة المائية الجوفية. وحرصاً من الدولة في المساهمة بتخفيض تكلفة إنتاج المياه بالطرق المتّبعة حالياً، فقد تبنت المبادرة الوطنية لتحلية المياه المالحة باستخدام الطاقة الشمسية، ومن المقرر تنفيذ هذه المبادرة على ثلاث مراحل في مدة زمنية تبلغ تسع سنوات.
ومن أجل الحفاظ على هذه الثروة الوطنية التي تُشكّل عصب الحياة وجوهر النمو، مصداقا لقول الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل: "وجعلنا من الماء كل شيء حي". فقد أصدرت الدولة العديد من الأنظمة واللوائح التي تُعنى بتنظيم واستغلال الموارد المائية بما يحقق المنفعة العامة، فضلا عن إنشاء مراكز متقدمة لأبحاث وتقنيات المياه وفق أحدث المعايير والتقنيات العلميّة التي هيأت بلادنا - ولله الحمد - لتكون في مصاف الدول الرائدة في مجال تحلية المياه المالحة.
الاهتمام بالصحة
أيها الإخوة: إن دولتكم تسعى دائما لرفاهية المواطن وتحسين ظروفه المعيشية بدءا بتأمين العلاج والرعاية الصحية له، إيمانا مِنها بأن صحة الإنسان هي مقياسٌ لتقدم الشعوب ورُقيّها.
وقد اتضح ذلك جليا في الاستمرار بإنشاء المستشفيات المتكاملة في المدن ورفع طاقاتها الاستيعابية، ونشر المراكز الصحية في القرى والهجر، وتوفير التجهيزات الطبية الحديثة، ناهيك عن تأهيل الكوادر الوطنية للعمل في المجال الصحي من خلال استحداث كليات الطب، ومراكز التدريب الصحي في كافة أرجاء الوطن. وكنا قد أصدرنا أمرنا باعتماد 16 مليار ريال لتنفيذ وتوسعة عدد من المدن الطبية.
وإننا مستمرون - بعون الله وتوفيقه - في ذات الاتجاه نحو الارتقاء بقطاع الخدمات الصحية في المملكة سواء من خلال التركيز على إنشاء المشروعات الصحية الجديدة، وتحسين البيئة الصحية القائمة، وزيادة الاعتمادات المالية المخصصة لها.
أيها الإخوة الكرام: إن الخطة الخمسية التاسعة والتي صادق عليها مجلسكم الموقر فإنها ستكون - بمشيئة الله وتوفيقه - عوناً لنا جميعاً على تحقيق ما نصبو إليه نحو تكريس الرخاء والنمو والازدهار، لاسيما وأنها قد نصّت على تحقيق الاستقرار الاجتماعي وضمان حماية حقوق الإنسان، وتعزيز الوحدة الوطنية. كما أكدت على رفع مستوى معيشة المواطن، والاستمرار بنهج تنويع القاعدة الاقتصادية والتنمية المتوازنة والمستدامة لجميع المناطق، وتفعيل دور القطاع الخاص ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وانطلاقاً من حرص الدولة على الاستمرار في مسيرة التنمية بجميع مجالاتها، فقد أنشأت وزارة للإسكان ودعمت صناديق التنمية الصناعية والعقارية والزراعية لتقديم التسهيلات المالية والقروض الميسرة للمواطنين ليساهموا بفاعلية في التنمية.
كما أُعطيت الأولوية لدعم المستحقين المشمولين بنظام الضمان الاجتماعي، وزيادة عدد المستفيدين منه، والتأكيد على إيجاد فرص العمل للمواطنين عبر دعم برامج السعودة، وإنشاء مراكز التدريب والتأهيل الفني والتقني في كافة مناطق المملكة.
خدمة الحرمين
أيها الإخوة الكرام: لقد شرّفنا الله بخدمة الحرمين الشريفين، فكانت تلك الخدمة واجبا وعزة وشرفا وركيزة ترتهن لها هذه البلاد المباركة وقادتـها. واعترافاً بفضل الله على بلادنا بما حباها من خيرات ونعم وفيرة، منطلقين من مسؤولية المملكة الدينية، فإننا قد قمنا - بحمد الله - بوضع حجر الأساس لتوسعة المسجد الحرام وافتتاح عدد من المشروعات التطويرية للحرمين الشريفين، سائلا الله عز وجل أن يجعل فيها الخير الكثير خدمة للإسلام والمسلمين قاطبة.
إن توسعة الحرمين الشريفين، وتوسعة جسر الجمرات، وتشغيل قطار المشاعر ما هي إلا نماذج مجسدة لهذه المشروعات التطويرية لكي يجد الحجاج والمعتمرون والزوّار الراحة والطمأنينة عند أداء مناسكهم وهي واجب ندين به لله تعالى.
وبمشيئة الله سوف نواصل العمل الدؤوب من أجل خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، والسهر على راحة الحجاج والمعتمرين الكرام بما نملك من جهد ومال، لأننا نؤمن بأنه واجب تمليه علينا عقيدتنا، وهو عمل نبتغي به مرضاة الله عز وجل.