ماضي الحياة الزوجية، بكل أشكاله وألوانه، يأخذ طُرقا مختلفة، تحل في حينها، وتترك أثرا إيجابيا أو سلبيا، وتموت في حينها، خصوصا إذا كانت ذكريات سلبية. للأسف هناك بعض الزوجات وبعض الأزواج ينبشون في الماضي، ويدخلون حقلا من الألغام التي تؤذي، وربما تميت ولا تفيد، وتجعل حاضر الحياة الزوجية مغلفا ومزخرفا بهالة من الجمود، والعواطف المترددة، والابتسامة الخجولة، ونظرة العتاب، ولسان اللوم، لنفض غبار النسيان الذي كان مستورًا أو مطويًّا. أقتبس «لوقت ينسي الألم ويطفئ الانتقام، بلسم الغضب ويخنق الكراهية، فيصبح الماضي كأن لم يكن» ابن سينا.

حال حدوث سوء فهم بين الزوجين، أو تكرار مناسبة منسية، أو النية في إهداء هدية للطرف الآخر، يبدأ أحد الزوجين في المقارنة بين الحاضر والماضي، ويدخلان في عالم واسع من النبش في الماضي، وشغل العقل والقلب، وتوسيع الفجوة بينهما، وفلتان اللسان الذي يزيد الطين بلة، مما يترك عواقب وخيمة على الحياة الزوجية. حقا.. إن النبش في ماضي الزوجين قنبلة موقوتة تؤدي إلى مشاكل وخيمة، ومن يقتل الماضي حب الحاضر بين الزوجين، وإذا كان الحب سيد الموقف، فالماضي لن يكون مهما وجارحا للحاضر.

تلفت من حولك في دائرة محيطك سوف تجد وتسمع الفتور في العلاقات الزوجية، الذي مردّه، في غالب الأحيان، النبش في الماضي وأخطاء الماضي. الماضي الذي لا يزال حاضرا في ذاكرة بعض الأزواج وبعض الزوجات اللاتي لا يأخذن العبرة من التاريخ.


للأسف نسمع بعض الألفاظ والعبارات التي تُحيي الماضي، وتجعله حيا في الحياة الزوجية، ومنها «تذكر يوم مرضتْ.. الجميع قدم الهدية إلا أنت»، و«تذكر يوم سافرت.. جبت هدايا للجميع إلا أنا بحجة ما عندك وقت». ومن الجانب الآخر «يوم مرضت وطحت في الفراش.. كلهم أهدوني إلا أنتِ» و«مرّت ذكري زواجنا وما شفت منك ولا كلمة حلوة». إنه الماضي الحي، فكفانا نبشا في الماضي، لماذا لا ننبش الذكريات الجميلة، والأماكن الجميلة، والعبارات الجميلة، والهدايا المعبرة؟!، لماذا لا ننبش المواقف الإنسانية والفرح؟!.

كفى.. كفى تمسكا ونبشا بما يزعلْ ويغضبْ، ويحوّل الحاضر إلى نار تأكل الأخضر واليابس، ويبعث الحزن والبؤس وضيق الصدر. قد يكون الماضي يحمل بعض الخلافات، لكن الحاضر بلسم الماضي.

وفي الختام.. لا تنبشوا الماضي السيئ، وانبشوا الماضي الجميل، وإن تراءى لكم الماضي السيئ تعوذوا من الشيطان، فالحياة الزوجية تبنى على التفاهم والتسامح ولين الجانب، وتقوم على التنازل والاحترام والاعتذار.

اخلقوا حاضرا جميلا، ليكون الماضي أجملْ، وامسحوا من ذاكرتكم الماضي السيئ أو تناسوه، وإن ذكرتموه لا تصرحوا به.

أقتبس «من ابتغى صديقا بلا عيب عاش وحيدا.. ومن ابتغى زوجة بلا نقص عاش أعزبا.. ومن ابتغى حبيبا بلا مشاكل عاش باحثا.. ومن ابتغى قريبا كاملا عاش قاطعا لرحمه» محمد متولي الشعراوي.