أواه ! سيدتي السبعونَ! معذرةً

إذا التقينا ولم يعصفْ بيَ الجَذَلُ

ولم يعصفْ بَي الجَذَلُ _ الجَذَلُ بمعنى فرح وفاض سروراً _ صورة جميلة من قصيدة للشاعر الدكتور غازي القصيبي يرحمه الله، استوقفتني وأربكني ذاك اللقاء، لرجل يقف وجهاً لوجه لعامهِ السبعين، معتذراً بلسان حال يعصف به الكثير، إلا الفرح والسرور بهذا اللقاء..! ما الذي عصف بنفس شاعرنا، أتراهُ كان يستعرض شريط أيامه بالوجوه والأماكن، أم تراهُ مدهوشاً بهذا اللقاء ؟!


لكنه مع دهشته وما عصف به، إلا أنها لا تهون عليه، فيرتد عطف لها ليربت على كتفيها قائلاً: كنت أحسب أن الدرب منقطع,,,,, وأنني قبل لقيانا سأرتحل

قد تقبل العذر ويخفف من وطأة ذاك اللقاء المتجهم بوجه شاعرها..!

لكنه الخوف يا سيدتي الثلاثون، الأربعون، الخمسون، الستون، السبعون، التقدم في العمر سمة إنسانية، يصاحبها الخوف الفطري من التغييرات المُصاحبة لكل مرحلة عمرية تأتي علينا، يطلق علماء النفس على عملية التغير التي تطرأ على الشخصية، بفعل التقدم في العمر اسم «بلوغ الشخصية طور النضج»، وهو تبدل تدريجي غير محسوس، يبدأ في مرحلة المراهقة، ويستمر حتى يبلغ الإنسان عقده الثامن على الأقل.

تغيرات تلقائية طبيعية نفسياً وجسدياً واجتماعياً، و لكن يقابلها القدرة العجيبة التي يمتلكها الإنسان للتكييف، مع كل ما يطرأ عليه، فلكل مرحلة عمرية رونقها المتميز ولمساتها الخاصة، في صقل الشخصية الإنسانية وتهذيبها واكتساب الخبرات.

و كما يقول التبريزي: «يجب عليك أن تفهم أن هذه السن مجرد رقم، لا يشكل حقيقتك أبداً، ربما تكون طفلاً بسن الستين، أو شيخاً بسن العشرين».

طفل بسن الستين ! مجرد رقم، يعني ألا تفقد الحماس والشغف بالحياة، فإن نتقدم في العمر أمر حتمي ولا سبيل لإيقافه، لكن الفارق هو كيف نستقبل كل مرحلة جديدة بروح متجددة متفائلة، بأن القادم يحمل بين طياته كل جميل وجديد، عاقدين العزم أننا سنمنح أنفسنا الحب الذي تستحقه من الباطن، قبل السعي إليه ظاهراً، ولن ندع هذه السنيات تمر مرور الكرم، لتفلت من أيدينا دون أن نستشعرها، ونقدر كل ما يقدمه لنا القدر لننعم بحياة نفسية وصحية واجتماعية مستقرة، وكما يقول ماركيز:

«ليس السن هي ما بلغه أحدنا من العمر، بل ما يشعر به»