بعد أن خرجت إلى الدنيا وكبرت علمت أنني أنتسب إلى وطن عظيم، هو مهبط الوحي ومنبع الرسالة وقبلة المسلمين وإليه تتجه أفئدة الناس أجمعين، لقد فرحت وحمدت الله كثيرًا لانتسابي لهذا الوطن الشامخ برايته الخضراء التي تتوسطها سيوف العدل وتزينها نخلة العطاء والرخاء، ولأجل وطني سأقرب محبرتي وأمتشق حسام قلمي، أفاخر برجاله الأوفياء وأتغنى بأوصافه الجميلة، وأترنم بتاريخه العظيم، تذكيرًا للمحبين وتصحيحًا للمخطئين وتعليمًا للجاهلين.

وطني السعودية.. بلد الشباب النجباء والرجال الأوفياء الذين هم نتاج تربية سامية وغرس مبارك، يدافعون عن دينهم ويذودون عن وطنهم لا تعصف بهمْ ريحٌ ولا يحطمهمْ موجٌ، كما تخرَّج من على أرضها وتدرب على ثراها صقور الجو الميامين، الذين بكفاءتهم أبهروا الأمم وبمهاراتهم حيروا قادة الدول، يسافرون للعلم والتدريب ليعودوا متسلحين بسلاح العقيدة والعلم، ولسان حالهم يردد:


ولـي وطــنٌ آليــت ألا أبـيعــه * وألا أرى غيـري لـه الدهـر مالكا

عهدت به شرْخ الشباب ونعمة * كنعْمة قــومٍ أصبحـوا فـي ظلالكا

وطني السعودية.. وطن القلوب الرحيمة والأيادي البيضاء، فقد شاهد العالم أبناءه وهم يسارعون لنقل المرضى على طائرات الإخلاء الطبي من أماكن بعيدة برفقة ذويهم من أكثر من (18) دولة من مختلف أنحاء العالم لإيصالهم لمستشفيات بلادنا؛ لفصل التوائم السيامية تارة ومعالجة الحالات المستعصية أخرى، نعالجهم ونكرم وفادتهم ونرأف بهم، دون نظرٍ لديانةٍ ولا جنسٍ ولا لون ولا عرق.

وما تخفى المكارم حيث كانتْ * ولا أهل المكارم حيث كانوا

وطني السعودية.. وطن العزم والإباء والعمل البناء، يتسابق رجاله الكرماء في الإحسان والعطاء، يبذلون أوقاتهم وينفقون أموالهم في إنشاء المشاريع الخدمية وتأسيس الأوقاف الخيرية، يسعدون بتنفيس كربات المهمومين وقضاء حاجات المعسرين، ويفرحون بزرع الابتسامة على وجوه الأيتام والمساكين.

على قدر أهل العزم تأتي العزائم * وتأتي على قدر الكرام المكارم

وطني السعودية.. أشم عبق التاريخ في جمال روح أهلها وسمو أخْلاقهم ونبْل صفاتهـمْ، فمهما تقولون عنها ومهما تصفونها، فهي في نظري أجمل من أوروبا وماركاتها، وأمريكا وصناعاتها، وبلاد الصين ومبتكراتها.

ونستعْذب الأرض التي لا هوا * بها ولا ماؤها عذْبٌ ولكنها وطن

وطني السعودية.. شممْت هواءه العليل واستعذبْت نسيمه الجميل، إذا سافرت عنه فإنني أرحل بجسدي وبجزْءٍ من روحي أما الجزْء الآخر فيبقي هناك في ربى بلادي؛ يستوطن كل مكانٍ سكنْته وكل أرْضٍ وطئتها وكل خطْوةٍ مشيتها..

أودعته نصْف روحي يوم ودعني * والنصْف باقٍ معي للهم والحزْن

أخيرًا.. نرحل عنك يا وطني ونسافر بعيدًا، لكنْ يبقى شوقنا وحنينا للقياك عظيمًا

كم منزلٍ في الأرض يأْلفه الفتى * وحنينه أبدًا لأول منْزل.