جبل مشاعر الإنسان الذي داخله أشد عمقا وغرابة. إن ما نراه من الإنسان هو ما على السطح، أما داخله فهناك مشاعر أخرى لا يعلمها إلا الله.. مشاعر محفوظة في صندوقه الأسود.. أرقامه السرية محفورة على جدار الذاكرة وليست مكتوبة. يمكن أن يُفتح الصندوق الأسود للطائرة حين سقوطها، لكن من الصعب أن تفتح الصندوق الأسود للإنسان بعد مماته، والسبب ببساطة أن الأرقام السرية ماتت، وأصبحت في علم الغيب. تتفاجأ وتصاب بخيبة أمل حين تكتشف أن المشاعر التي كنت تحظى بها من إنسان آخر أنها مشاعر سرابية هلامية، لا طعم لها ولا رائحة، والسبب أنك لم تتعمق داخله، لتتعرف على حقيقة مشاعره.
ليس في الدنيا أصدق من مشاعر الأم، فجبل مشاعرها يطفو على سطح البحر، ولسانها صادق في كل ما يقوله، لكن البعض للأسف لا يفهمها. وليس هناك أهم وأوثق من رباط الزوجية، ومع هذا فجبل المشاعر يأخذ مكانه بينهما، فكل إنسان يحتفظ بمشاعره كيف يشاء، وحينما تبرد المشاعر بين الناس تتحول الحياة إلى مجرد نهر، لا تعيش على جانبيه الأشجار والأعشاب، ولا تحوم في سمائه الطيور. لقد جُبِل الإنسان على حب المشاعر الإيجابية، فهي تريح العقل والقلب، وتُورق الخير والعطاء، وتدفع الإنسان إلى الأمام بعكس المشاعر السلبية.
يتساءل البعض: كيف أخرج مشاعري المغمورة داخل البحر.. مشاعر القيم والأفكار والقناعات؟. إنه السلوك الحسن مع الآخرين، والخُلق الحسن، إذ قال عز وجل: «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ». ترى هل جبل الثلج يُجمد المشاعر التي داخله ويحولها إلى هيئة أخرى؟. لا، صدق المشاعر والجاذبية التي تدور حولها تمنعها من التجمد، وبالتالي المشاعر لا تتجمد. كما أن المشاعر لا تشيخ. المشاعر لا تذوب إلا عندما تكون مشاعر زائفة عابرة، وعندما تحقق هدفها. اقتبس «يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً، ويَروغُ منكَ كما يروغُ الثّعلبُ».
أغرب جبل هو جبل المشاعر داخل كل إنسان، فداخل كل إنسان مشاعر يحتفظ بها، ومشاعر أخرى ترى النور للآخرين. لا تُقلل من المشاعر الدفينة، فهي الصادقة أحيانا. كثيرة لكنك لا تستطيع أن تبوح بها، وهي لا تتعارض مع العقل لكن مع الواقع. الألوان وتأثيرها في نفسية الإنسان المشاعر أكثر تأثيرا، وأصدق تعبيرا، وأسرع وصولا إلى هدفها، فهناك من يستطيع أن يتحدث عن مشاعره بصوت عال، وهناك من يحاول إخفاءها، خوفا من عدم قدرته على إيصالها. لا تخف.. إنها مشاعر صادقة مشاعر إيجابية، تصل وتستقر لدى الطرف الآخر الذي يسعد بها.
أخيرا.. لا تتردد في إظهار مشاعرك نحو الآخرين، فهي بلسم العقل والقلب، وما تحت الماء اجعله على السطح حين تهدأ الرياح. لنْ تسعد نفسك وتسعد الآخرين إلا حين تكون الرؤية واضحة، والسماء زرقاء، وما حولك ربيع دائم. اقتبس دعوة صادقة: «إني مدين لك بكل ما وصلت إليه وما أرجو أن أصل إليه من الرفعة إلى أمي».. أبراهام لينكون.