تمثل المراكز البحثية واحدة من أهم القنوات التي تسعى لرفد صناعة القرار وتحرص جميع الدول والمؤسسات على تدشين مراكز بحثية متخصصة وهو ما يسمى لدى الغرب بـ"الثنك تانك" التي تعنى بالتفكير والبحث في مختلف القضايا.

وكثيرا ما نسمع في سائل الإعلام بأن (فلانا) يعمل باحثا أو خبيرا اقتصاديا بمركز كذا للدراسات مما يؤكد أن تلك المراكز باتت في العقود الأخيرة على وجه الخصوص ركيزة أساسية لدعم حراك المجتمعات، ونحن كغيرنا لدينا مراكزنا البحثية سواء على مستوى مؤسسات الدولة المختلفة أو على مستوى المؤسسات الخاصة وكذلك الأفراد ولا شك أننا بحاجة لتدشين المزيد منها.

إلا أنني أتصور أن الأهم يتجلى فيما يمكن أن تنتجه تلك المراكز من بحوث ودراسات يستفيد منها علاوة على صاحب القرار المجتمع الذي هو في أمس الحاجة لفهم ما يدور حوله من معارف وتحديات، وليس خافيا مستوى ما يقدمه الغرب من دراسات تنشرها الصحف والمطبوعات المتخصصة التي ساهمت في رفع الوعي الجمعي لتلك المجتمعات، وهو ما يجعلنا نثير سؤالا عريضا هنا حول غياب نتائج بعض مراكزنا البحثية خصوصا ما يتعلق منها ببعض الأفراد أو المؤسسات الخاصة حيث كثيرا ما نقف على مسميات تلك المراكز في الصحف إذ يذكر اسم صاحب المركز في حين لا نرى أي نتاج ملموس يؤكد فاعليتها، وهو ما يجعل بعضها يدور في فلك الوجاهة الاجتماعية ليس أكثر.

ويبقى عدد من التحديات تلقي بظلالها على مسرح تلك المراكز حيث يعاني عدد منها من غياب الدعم المادي والإعلاني الذي يؤثر في مستوى الإنتاج، ولا يمكن لمركز مثلا أن يعمل في ظل غياب طاقم متمرس يديره وما لم تتوفر له بيئة تقنية جيدة، وكذلك مكتبة تتوفر فيها جملة من الإصدارات القديمة والحديثة التي يستفيد منها العاملون به.

وإذا كان المطلوب من تلك المراكز أن تظل على حراك مستمر يتواكب مع مستجدات العصر بحيث تنتج بحوثها في التوقيت المناسب وتستجيب لما يطرح لها من أسئلة ينتظر أن يجيب عليها خبراء ومحللون كلٌ في فنه فكيف لها أن تقوم بتلك الأدوار إذا كانت تعاني أصلا من ضعف بنيتها الأساسية.

الكل يعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تتصدران العالم بعدد المراكز التي تحتضنها وبمستوى ما يقدم فيها من دراسات لم تترك شاردة ولا واردة لم تتناولها وهو ما جعلها تملك القدرة على تقديم رأيها للعالم بشكل واسع ليبقى السؤال الأهم لدينا حول جدوى بعض المراكز التي نسمع عن بعضها ربما منذ عقد من الزمن إلا أننا لم نر لها أي نتاج.