نظرية المعرفة، أو ما يعرف بـ«الإبستمولوجيا»، هي التي يتم من خلالها تحديد موقف الإنسان من الحقيقة، ومنهجه في الوصول إليها، والمصادر التي تمكنه منها، وهي لا تعدو كونها مجموعة من الحصون والمتاريس التي يحتمي بها كل صاحب فكرة لإقناع الآخرين بها، ومحاولة استجداء عواطفهم، وأفكارهم للإيمان بها.

هذا المفهوم- أي مفهوم نظرية المعرفة- قد احتل مكانة واسعة في الفلسفة الغربية المعاصرة، بصفته عتاد الفيلسوف في مباحثه في العلوم، إن قلنا إن المقصود بنظرية المعرفة البحث، والتفسير للظواهر، والأفكار.

والفكر الغربي أخذ في دراسته لهذه النظريات صبغة التخلي عن الدين، وإقصاء ظواهره، ومعالمه الدالة عليه، أو تحجيمه، وحصره في أضيق النطاقات، كما أنهم نفوا أن يكون الوحي باباً من أبواب المعرفة، وهذا هو الجانب السيئ في هذا الفكر.


وللأسف فقد غزا هذا الفكر عقول بعض المسلمين فظهرت نزاعات فكرية، شقاقات اجتماعية ثلمت ثلماً كبيراً في الجدار الإسلامي.

الإسلام لم يحارب الفكر، ولا التفكير، بل جعل العقل- وهو مناط التفكير- شرطاً في العبادات والمعاملات، ليدلل على أهميته، ومكانته في هذا الدين القويم.

ونظرية المعرفة ناقشها المسلمون، وطبقوها في التعبير عن آرائهم، وأفكارهم، ويكفي المنصف أن يقرأ ما سطره القاضي عبدالجبار في كتابه «المغني»، وما طبقه ابن تيمية في ثنايا مناظراته، معبرين عن منهجهما في التفكير، والتعبير عن الآراء، والتوجهات.

والإسلام بشموليته، وعالميته نوع مصادر المعرفة، ولم يحصرها في نسق معين، فأعطى العقل مساحته في التفكير في إطار الشرع، وأعطى الجانب الغيبي، والروحي ما يروي عطشه، وأعطى للتجربة مكانتها، وبجل أصحابها، وما ذاك إلا إيماناً منه بأن الفكر السليم، والمنهج الصحيح هما من يصنعان النهضة.

لذلك فإن أولى مهمات الفكر الإسلامي المعاصر في مواجهة تحديات القرن الجديد هي العمل على صياغة النسق الحضاري الإسلامي المنفرد، بعيداً عن التبعية التي ولدت لدينا الشقاق، والنزاع؛ لبعدها عن طبيعة حضارتنا الإسلامية.

والعمل على تعزيز منظومة المفاهيم الإسلامية العميقة، دون الخوض في عباب أفكار لا تنسجم مع قيمنا، ولا ديننا الحنيف.