في وقت يظن فيه كثيرون أن ظاهرة الكرم تعني الإسراف في تقديم الطعام الزائد ـوبمراحل كبيرةـ عن الاجتياج، بحثا عن التفاخر والهياط، حتى لو انتهى جزء كبير فائض منه إلى مرميات النفايات، أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة، في أبريل الماضي، حملة موسعة للحد من الهدر والفقد الغذائي تحت شعار «النقص ولا الزود».

وذكرت الوزارة أن كمية الهدر الغذائي سنويا في المملكة حوالي 4.066 ملايين طن، وبلغت نسبة الفقد والهدر الغذائي في المملكة أكثر من 33%، وقاربت القيمة الإجمالية للهدر في بند الاستهلاك الإنفاقي في المملكة الـ40 مليارا و480 مليون ريال سنويا.

وفي إطار تقليل الهدر الغذائي في المملكة تعمل نحو 30 جمعية ومشروعا لحفظ النعمة ومنع الهدر في مختلف مناطق المملكة، وتركز أصابع الاتهام خاصة في مساوئ الهدر الغذائي على المطاعم التي تجبر الزبائن على ابتياع كمية ربما تكون فائضة عن حاجته، وعلى الأخص المطاعم التي تبيع الرز المطبوخ، حيث يكون البيع غالبا بـ«النفر»، وهو قدر من الأرز ربما تصل كميته إلى أكثر من 600 جرام، وربما أكثر، في وقت لا يمكنه أن يستهلك أكثر من نصفها أو نحو ذلك، فيما يرسل الباقي وبعد أن عاثت به الأيادي إلى سلال المهملات.


ظاهرة عالمية

لا يعد الهدر ظاهرة مقتصرة على مجتمعنا، بل هي مسألة عالمية تحارب معظم المجتمعات لتقليصها والحد منها، وهي لا تختص بطبقة اجتماعية كأن يقال إنها حكر على الأثرياء، بل تشمل معظم الطبقات، وهو ما شكل هاجسا استدعى تنفيذ التأثيرات السلبية على نمو الفرد والأسرة والمجتمع، ما شكلت هاجسا يؤرق المجتمعات المحلية والدولية، ومسارعتهم لتنفيذ الدراسات والبحوث للحد من تفشي الظاهرة التي صارت عادة متفشية تصدرها ثقافات الشعوب، وتنتهي بأكياس سوداء تملأ مرامي النفايات.

ومقابل هذا الهدر الكبير، قدرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو»، أن هناك نحو 690 مليون شخص عانوا الجوع حول العالم في 2019، وسط توقعات بأن ترتفع تلك الأرقام نتيجة الأزمة المتواصلة الناجمة عن وباء كورونا.

حجم الفقد الغذائي

كشفت دراسات عالمية أن الحجم العالمي لفقد الطعام يقدر بنحو 1.6 مليار طن، فيما يقدر إجمالي الهدر للأغذية الصالحة للأكل نحو 1.3 مليار طن، فيما كشفت إحصائيات وزارة البيئة والمياه والزراعة، عن كمية الغذاء المهدر سنويا في المملكة، والتي تبلغ 4.066 ملايين طن، وتبلغ حصة الفرد الواحد من المهدر سنويا 148 كجم، وتصدرت الخضراوات نسبة هدر المنتجات الزراعية، والتي بلغت 44%، تليها الفواكه بنسبة 40%، والأرز ثالثا بنسبة 34%، والدقيق والخبز رابعا بنسبة 30%، والتمور خامسا بنسبة 21.5%، فيما تصدرت لحوم الأبقار نسبة هدر المنتجات الحيوانية، والتي بلغت 43%، تليها لحوم إبل بنسبة 34%، والأسماك ثالثا بنسبة 33%، والدواجن رابعا بنسبة 29%، ولحوم غنم خامسا بنسبة 15%.

وبلغ حجم وقيمة الهدر السنوي للخضراوات 335 ألف طن، و608 آلاف طن هدر الفاكهة، و917 ألف طن للدقيق والخبز، و557 ألف طن للأرز، و22 ألف طن لحوم الغنم، و444 ألف طن لحوم الدواجن، و69 ألف طن للأسماك، و137 ألف طن تمور.

جهود مكافحة

تستنفر كثير من دول العالم جهودها في مكافحة الهدر الغذائي، والحد من مشكلات هدر الغذاء، والذي يعد أحد أكبر المصاعب التي تواجه العالم، لتداعياتها الخطيرة على الأمن الغذائي، والبيئة، والاقتصادين المحلي والدولي، وقدمت عددا من الدول تجارب مميزة، وبرامج تثقيفية ومبادرات نوعية.

ففي الصين، قام رواد المطاعم بنشر صور أطباق طعامهم الفارغة في وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لحث أصدقائهم على عدم طلب أكثر مما يحتاجونه من الطعام.

واستحدثت كوريا الجنوبية نظاما جديدا يتم خلاله فرض تكلفة مالية للمعالجة، تتناسب مع وزن الطعام المهدر، وفي ولاية ماساتشوستش الأمريكية، منعت المطاعم الكبيرة من إرسال نفايات مطابخها إلى مقالب القمامة، وقامت المتاجر الكبيرة في بريطانيا بتحسين طرق التعبئة والتغليف، لتمكن المستهلكين من الاحتفاظ بجزء كبير من مشترياتهم للأطعمة.

وفي ألمانيا، تم إجبار المطاعم بعدم إعطاء الزبون أكثر من حاجته، وفي حال إصرار الزبون على الشراء يتم وضع فاتورة يقوم بالتوقيع عليها، بأن لا يبقي شيئا من الوجبة، أو دفع غرامة مالية تعادل ضعف قيمة الوجبة.

وفي السويد تقدم بعض المطاعم بوفيها مفتوحا في وجيات الغداء، لكنها تلزم الزبون بسعر إضافي إذا ما ترك فائضا عن حاجته في صحنه، ما يجعله يأخذ حاجته حتى لو ملأ صحنه مرات ومرات، المهم ألا يترك خلفه فائضا زائدا عن الحاجة سيكون مصيره سلة المهملات.

احتياج فعلي

تؤكد استشارية التغذية مرام الأحمد، أن كمية الأرز التي يحتاجها الشخص تناولها هي 10 ملاعق في حالة إذا كان الأرز أبيض مطبوخا أو بنيا مطبوخا، أي بوزن 350 جراما، ويحتوى على 100 كربوهيدرات، وهذا احتياج الشخص الواحد، وما زاد على ذلك فيدخل تحت إطار الهدر.

وأوضحت أن استهلاك الأرز زاد خلال فترة كورونا، وستكون هناك زيادة على الطلب خلال الفترة المقبلة بناء على دراسة أجرها معهد أبحاث السياسات الغذائية والزراعية الألماني، توقعت هذه الدراسة أنه سيتم وصول الطلب في العالم على الأرز المطحون إلى 496 مليون طن في عام 2020، من 439 مليون طن في عام 2010، وقد يصل الطلب إلى نحو 555 مليون طن، مع توقعات بأن يمثل الآسيويون 67% من الزيادة التي ذكرت، وإذا نظرنا لاحتياطي الدول وفق موقع إحصاء الأرز العالمي، فإن احتياطي السعودية وصل إلى نحو 205 آلاف طن عام 2018.

وأكدت أن «حل مشكلة هدر الطعام في المطاعم تعود لتغير ثقافة الشخص نفسه، وكذلك على المطاعم أن تجد طرقا لتوفير نفايات الطعام، فالحد من هدر الطعام في المطاعم يكون ذا فائدة تجارية واقتصادية».

وأوضحت أن «هناك مستهلكون يهتمون بكيفية التعامل مع هدر الطعام على الرغم من انتشار ثقافة هدر الطعام في السعودية، إلا أن أكثر من 70% من الأشخاص يهتمون بالتعامل مع نفايات طعامهم، وأن 47% منهم على استعداد لدفع مزيد من المال مقابل تناول الطعام في مطعم يتبع سياسة جيدة للتعامل مع هدر الطعام».

برنامج الـ19 منتجا

تبنت المؤسسة العامة للحبوب في المملكة، تنفيذ البرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر في الغذاء، والذي تم معه تحديد خط الأساس لحجم الفقد والهدر الغذائي داخل المملكة، من خلال مسح ميداني غطى كل المناطق، وطبقت فيه الأساليب العلمية والعالمية المتعارف عليها، نحو تخفيض معدلات الفقد والهدر في المملكة وفقا لخطط مدروسة تستهدف نشر الوعي في الإمداد الغذائي، والدعوة إلى الحد من الفقد والإسراف، والحفاظ على نعمة الغذاء.

واستهدفت الدراسة المنفذة 19 منتجا مقسمة على 8 مجموعات ممثلة في: القمح «الدقيق والخبز»، والأرز، والتمور، والخضراوات، واللحوم الحمراء، والدواجن، والأسماك.

واشتمل المسح الميداني لعينة الدراسة 5 دراسات ممثلة في: الدراسة التجريبية، مكونة من 7210 عينات موزعة على 13 منطقة إدارية بالمملكة، والدراسة الأساسية المكونة من 41.790 ألف عينة موزعة على 35 مدينة من مدن المملكة، ودراسة نوعية سلوكية مكونة من 1000 عينة موزعة على 27 مدينة، ودراسة الانحراف المعياري مكونة من 500 عينة موزعة على مستوى مناطق المملكة، والدراسة التأكيدية بمشاركة 20 جمعية، ومشروع من جمعيات، ومشاريع حفظ النعمة.

أخطر المشاكل

أوضح المستشار المالي، عضو جمعية الاقتصاد في المملكة أحمد بن عبدالرحمن الجبير لـ«الوطن»، أن الهدر الغذائي يعد من أخطر المشاكل على الفرد، والأسرة، والمجتمع، وأنه كلما زاد الهدر، والإسراف والتبذير، أثر ذلك على نمو الفرد والأسرة والمجتمع، لافتا إلى أن الشريعة الإسلامية وضعت الأسس العامة لترشيد الإنفاق، وتنظيم ميزانية الفرد، والأسرة والمجتمع، وتحقيق الاعتدال في النفقات والمصروفات، وترشيد الاستهلاك في الأكل والشرب والملبس والمركب.

وأكد أن من أسباب الهدر الغذائي، إعداد أطعمة تزيد على حاجة الناس، وخاصة في الولائم المكلفة في مختلف المناسبات، حيث يتسابق عليها كثير من الناس، كما أن الإسراف والتبذير يزداد في شهر رمضان والأعياد ومناسبات الزواج، باعتقادهم أن الإسراف في إعداد هذه الولائم الكبيرة دليل على الكرم، والواقع أنّ هذه السلوكيات خاطئة، مضيفا أن ما يثير الاهتمام هو عدم اقتصار ظاهرة الهدر والإسراف والتبذير على الطبقات الغنية في المجتمع، بل تمتد لتشمل الطبقات الوسطى وحتى الفقيرة منها، وأن الإسلام يدعو إلى الاعتدال والاقتصاد في النفقة، ويحرم الإسراف والتبذير سواء في الطعام أو الشراب أو اللباس في قول الله تعالى «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا».

50 % نفايات

بيّن الجبير، أن الدراسات تشير إلى أن ما يلقى ويتلف من مواد غذائية، ويوضع في صناديق النفايات تزيد نسبته على 50% من حجمها، مما يشير إلى أن كمية المواد الغذائية التي تهدر كبيرة جداً، حيث انتشرت في الأعوام الأخيرة بين معظم عوائل المملكة ظاهرة الهدر الغذائي لدرجة أن المهدر من الأطعمة والمشروبات تجاوز آلاف الأطنان.

وأضاف أن أبرز الحلول للحد من الهدر الغذائي، التوعية وتثقيف الفرد والأسرة والمجتمع، ووجود القدوة الحسنة لغرس المفاهيم والعادات والقيم الخاصة بترشيد الاستهلاك، فإذا كان الإنسان من صغره قد اعتاد على ترشيد الإنفاق سينعكس ذلك إيجاباً على حياته، فتربية الأفراد على هذه السلوكيات يقود إلى إعداد أفراد قادرين على إدارة ميزانية الأسرة والمجتمع باعتدال، كما أن الاقتصاد الإسلامي يهدف إلى تحقيق الاعتدال في النفقات والمصروفات، وترشيد الاستهلاك في الأكل والشرب، والملبس والمركب، وتجنب الهدر والإسراف، الذي يقود إلى فاسد الأخلاق.

وطالب جميع أفراد المجتمع بالالتزام بسلوك الاقتصاد الإسلامي، باعتباره جزءاً من سلوك المسلم، والاعتدال في النفقة، والتخطيط السليم لميزانية الأسرة، وأنه يجب علينا كمواطنين، ومقيمين أن يكون لدينا حسن إدارة وتدبير للطعام والشراب، وتوظيف أمثل للموارد المالية وعدم الهدر، وأن نتحمل جزءاً من المسؤولية، مؤكدا أن المواطن والمقيم بوعيهم قادرون على ترشيد الاستهلاك ومنع الهدر والإسراف والتبذير، وهذا بالتالي يقود إلى صلاح الفرد والأسرة والمجتمع، ونمو الاقتصاد الوطني.

من جانبه، في تقرير نشر من لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الاسكوا» عن الاجتماع الإقليمي حول تعزيز الأمن الغذائي والمائي في المنطقة العربية لعام 2019، جاءت أبرز الحلول لتخفيض الهدر والفاقد من الغذاء، التركيز على تحسين البيانات والقياس بدقة أكثر في جميع مراحل السلسة الغذائية، وتحسين عملية الرصد، واعتماد التكنولوجيات المبتكرة والحلول الرقمية الملائمة منذ المراحل الأولى من السلسة الغذائية، إضافة إلى تطوير أساليب جديدة وأكثر كفاءة للحد من فقد الغذاء وهدره على امتداد السلسة الغذائية من جانب القطاع العام والخاص كذلك الاستفادة من المبادرات الناجحة في مناطق أخرى من العالم.

تجارب دولية

يورد التقرير عددا من تجارب الدول العربية في خفض الهدر والفاقد من الغذاء، فأطلقت لبنان مبادرات لتحويل مخلفات الطعام إلى أسمدة عضوية، وذلك بالتعاون مع البلديات.

وأطلقت مصر مبادرة لإنشاء بنك للطعام للاستفادة من بقايا الطعام في الفنادق والمطاعم، من خلال فرزها وإعادة توضيبها وتوزيعها على المحتاجين، وذلك بشراكة مع رابطة الفنادق المصرية، وكذلك مبادرات لتحويل مخلفات المطاعم إلى أسمدة عضوية.

وعملت الأردن تجارب واعدة لمعالجة مخلفات الطعام في القطاع الفندقي وفي مجال الأسواق الرقمية.

حقائق بالأرقام

- 1 مليار طن من الهدر الغذائي سنويا في العالم

- 690 مليون شخص يعانون الجوع عالميا في 2019

- 1.6 مليار طن الحجم العالمي لفقد الطعام

- 1.3 مليار طن إجمالي الهدر للأغذية الصالحة

- 4.066 مليون طن كمية الغذاء المهدر سنويا في المملكة

- %33 نسبة هدر وفقد الغذاء بالمملكة

- 40 مليارا سنويا تكلفة هدر الغذاء بالمملكة

- 148 كجم حصة الفرد الواحد من المهدر سنويا

- 30889 إجمالي عينات الفقد والهدر بالمملكة

- 6162 إجمالي الفقد الغذائي

- 24727 إجمالي الهدر الغذائي

- %50 ما يلقى ويتلف من المواد الغذائية توضع بصناديق النفايات

- 3 مناسبات تسهم في زيادة الهدر الغذائي

- 6 حلول تحد من الهدر الغذائي

- %44 النسبة التي تصدرت بها الخضراوات الهدر

الهدر سنويا حسب المواد

335 ألف طن هدر الخضراوات

608 آلاف طن هدر الفاكهة

917 ألف طن الدقيق والخبز

557 ألف طن من الأرز

22 ألف طن لحوم الغنم

444 ألف طن لحوم الدواجن.

69 ألف طن الأسماك

137 ألف طن التمور

مؤشرات الفقد والهدر بمناطق المملكة:

المنطقة / فقد/ هدر/ الإجمالي

الباحة / 207/ 748/ 955

الجوف 71/ 199/ 270

الحدود الشمالية: 91/ 758/ 857

الرياض/ 932/ 3472/ 4404

الشرقية/ 683/ 3750/ 4433

القصيم/ 297/ 1433/ 1730

المدينة/ 656/ 2878/ 3534

تبوك/ 52/ 737/ 789

جازان/ 527/ 1622/ 2149

حائل/ 181/ 407/ 588

عسير/ 159/ 700/ 859

مكة/ 2111/ 7563/ 9674

نجران/ 187/ 460/ 647

أهداف البرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر في الغذاء

• نشر الوعي بأهمية التنويع الغذائي.

• نشر الوعي بخصوص استخدام الموارد الطبيعية الزراعية بكفاءة.

• نشر الوعي بالأمراض الناتجة عن الهدر الغذائي وكيفية التعامل مع النفايات.

• تشجيع الحد من الفقد والهدر الغذائي.

• إعادة استخدام الأغذية وتدويرها في المملكة.

• تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية والمطاعم ومتاجر التجزئة.