من يراقب أسواق الكيميائيات سيدرك أن عوامل مؤثرة أسهمت في عودة انتعاشة الطلب على البتروكيماويات بعد المرور بأزمة جائحة كورونا وهي أكبر أزمة تمر على الاقتصاد العالمي منذ الكساد العظيم. لعل أهم تلك العوامل هو حزم التحفيز الاقتصادي المستمر وزيادة معدلات التطعيم ورفع الإغلاقات الذي أسهم في زيادة استهلاك السلع والخدمات وأخيرًا السياسات والدعم الصناعي الذي قدّمته البلدان الصناعية والمنتجة للطاقة.

ومع أن الاقتصاديين يضعون أيديهم على قلوبهم خوفًا من أن يحصل تباطؤ اقتصادي يعقب أزمة كورونا، وتحديدًا بدءًا من العام 2023 وما بعده نتيجة خفض الإنفاق الحكومي المتوقع عالميًا وعودة الطلب على النفط إلى ما قبل جائحة كورونا لحدود 100 مليون برميل يوميًا، إلا أن هذا السيناريو يكاد يكون بعيدًا لأسباب أهمّها أن أزمة كورونا لم تكن اقتصادية في عمقها بقدر ما كانت صحية على خلاف أزمة 2008، وبالتالي فإن التوقع بعودة ازدهار أسواق البتروكيماويات هو السيناريو الأكثر واعدية.

وبالنظر إلى أداء البتروكيماويات على أساس سنوي حتى الآن، فإنه يمكننا التنبّه إلى أن المنتجات البتروكيماوية سوف تحظى بحركة صعود متوازن خلال الفترة المتبقية من 2021 حتى نهاية 2022 بالتوازي مع تناغم مجموعة «أوبك بلص» التي تدير سياسات النفط الإنتاجية بنجاح حتى الآن مع التوقع بإعادة مراجعة الحصص الأساس بمقدار 1.6 مليون برميل في مايو القادم.


في المجمل وقبل الدخول إلى التفاصيل، سوف تستمر انتعاشة أسواق البتروكيماويات حتى نهاية العقد الجاري نتيجة اعتماد خارطة الطريق للحياد الكربوني على بدائل بتروكيماوية في مجالات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية ولوحات وخلايا الطاقة الشمسية وزعانف وقطع مراوح إنتاج طاقة الرياح واستبدال القطع المعدنية بأخرى لا معدنية متبلمرة. علاوة على النمو السكاني الصيني والهندي في استهلاك الغازولين واشتراطات البيئة المتعلقة به. كل هذا يعني أن مسار البتروكيميائيات يسير نحو صعود متزن ومعقول، غير حاد في شكله ومضمونه ما لم تنشب مشكلة جيوسياسية تؤثر على الطلب. وهذا يعني رسميًا أن أسواق البتروكيماويات قد خرجت من عنق الزجاجة بنجاح لتحظى بانتعاشة قد تطول غير أن هذه الانتعاشة تتفاوت من سوق لأخرى بحسب المنتج البتروكيماوي.

وبالرغم من أن بعض الدول لا تزال تفرض إغلاقات أو إغلاقات جزئية على اقتصاداتها نتيجة متحورات كورونا، إلا أن الطلب على البتروكيماويات لا يزال متسارعًا بقيادة أمريكية. ولأن الغازولين (البنزين) هو رأس الحربة في هذه الانتعاشات فإن الكيميائيات العطرية المصاحبة ستستمر بالانتعاش للفترة القادمة، وسوف يأتي معظم الطلب على المركبات الأورماتية العطرية من الصين وبالتحديد على مركبات البارازيلين وحمض التيريفتاليك. كما ستجني بوليمرات الإيثيلين تيرفثالات الهامش الأكبر للربحية ضمن مجموعة التيرفثالات.

وبالنسبة للأوليفينات، سوف تستمر وتيرة الصعود حتى نهاية 2022 وسوف تتراجع بداية 2023 بشكل غير حاد نتيجة الإضافات الجديدة للمعروض مع بداية اتساع القدرة الإنتاجية للغاز في كل من الصين وقطر وأمريكا الجنوبية مع ازدهار واسع للمنتجات السلعية مثل البولي إيثلين.

في مجال الستايرينات، سيستمر الصعود حتى نهاية الربع الأول 2022 مدعومًا بمشتقات الستايرين لكن من شبه المؤكد أن تؤثر الكمية المعروضة المتوقّعة سلبًا على الأسعار في نهاية الربع الأول 2022 والتي تأتي بمقدار 3 ملايين طن متري مقابل 1.5 طن متري من القدرة الاستيعابية. غير أن موعودية تحسن الأسعار ستبدأ بنهاية 2022 نتيجة الطلب تحديدًا على منتجات البنزين Benzene المرتبطة.

بالنسبة للراتنجات والكيميائيات الوسيطة التي حظيت بطفرة سعرية استمرت حتى منتصف العام نتيجة حوادث التجمد في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الشتاء الماضي، فإنها موعودة بانخفاض بسبب توقع دخول معروضات جديدة ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية «وهي أكبر الأسواق» في امتلاك حصص تصديرية.

ولو أخذنا نظرة عليا لأهم الدول التي ستقود الطلب على البتروكيميائيات خلال الخمسة عشر شهرًا القادمة سنرى أن الوضع في آسيا رغم الإمكانيات الصينية يكاد يكون غير واضح المعالم حتى الآن فيما يتعلق بإغلاقات كورونا، بمعنى أن معدلات التشغيل سوف تكون أبطأ منها في الولايات المتحدة ودول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ومع هذا فإن تقديرات البنك الدولي لإجمالي الناتج المحلي العالمي سيصل بنهاية 2021 إلى مستوى %5.6 وهي أسرع وتيرة بعد الكساد الاقتصادي العظيم قبل 90 سنة على أن تقود الاقتصادات الكبرى بزعامة أمريكا والصين وبقية مجموعة العشرين هذا النمو الإجمالي على أن يتأخر انتعاش الأسواق البتروكيماوية في الاقتصادات النامية حتى نهاية 2022 وهو موعد العودة إلى مرحلة ما قبل كورونا.