يظن كثير من المتابعين أن مصطلح «المقاتلون الإرهابيون الأجانب» مصطلح جديد أطلق في السنوات الأخيرة التي نشط فيها هؤلاء المقاتلون، وعلى الأخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أن الواقع يؤكد أن المصطلح قديم، وأن هؤلاء المقاتلين قد شاركوا على الأقل في نحو 100 حرب أهلية على مدار 250 سنة ماضية حسب «دليل المقاتلين الإرهابيين الأجانب لمعاهد التدريب القضائي في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» الذي أعده مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة عام 2017، وتم تحديثه عام 2019، بهدف عرض القضايا وتقديم المعلومات ذات الصلة بالعدالة الجنائية لبلدان المنطقة، وممارسي إنفاذ القانون المعنيين بالقضايا المتعلقة بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين شكلوا قلقًا دائمًا، ونخروا بلا توقف في خاصرة الدول التي تعرضت لموجات إرهاب، وقف خلف كثير منها مقاتلون وافدون، أدوا مهامهم تحت ذرائع مختلفة.

100 حرب

منذ الحرب الأهلية الإسبانية (1936 - 1939) والمقاتلون الأجانب حاضرون، فقد شارك فيها 50000 متطوع من أكثر من 50 دولة، يمثلون طرفي النزاع.


ورد مصطلح «المقاتل الأجنبي» رسميًا لأول مرة للإشارة إلى المقاتلين الذين يسافرون من خارج منطقة النزاع للقتال في صفوف تنظيم القاعدة في أفغانستان.

بعد ذلك، بدأ استخدام المصطلح في سياق حركة التمرد التي قادها الإرهابيون، والتي بدأت في العراق عام 2003.

وعرّفت أكاديمية جنيف للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان «المقاتلون الأجانب بأنهم الأفراد الذين يغادرون بلدهم الأصلي أو مكان إقامتهم الاعتيادي، بدافع أيديولوجي و/أو ديني و/أو صلة قرابة أساسًا، كجزء من مجموعة متمردين أو مجموعة مسلحة من غير الدول في نزاع مسلح».

قوة جاذبة

رغم عدم حداثة ظاهرة سفر الإرهابيين من دولة إلى أخرى لشن هجمات إرهابية، إلا أنها اكتسبت قوة جاذبة بعد أن أصبح السفر حول العالم أكثر سهولة في القرن الماضي، حيث ظهر مصطلح «المقاتلون الإرهابيون الأجانب» لأول مرة بشكل ملحوظ في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2170 الصادر عام (2014) ردًا على الأزمات المتصاعدة آنذاك في العراق وسورية، فيما عرفهم قرار صدر عن الأمم المتحدة بأنهم «الأفراد الذين يسافرون إلى دولة غير التي يقيمون فيها أو يحملون جنسيتها، بغرض ارتكاب أعمال إرهابية أو تدبيرها أو الإعداد لها أو المشاركة فيها أو توفير تدريب على أعمال الإرهاب أو تلقي ذلك التدريب، بما في ذلك في سياق النزاعات المسلحة».

ويختلف المقاتلون الإرهابيون عن المرتزقة الذين يقاتلون في الخارج نيابةً عن الحكومات أو الكيانات الممولة من القطاع الخاص، والذين «تحفزهم أساسًا إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي».

ومع ذلك، عندما تتداخل المصالح المالية والسياسية أو الأيديولوجية إلى حد كبير، فقد يندرج هؤلاء الأفراد تحت تعريف المقاتلين الإرهابيين الأجانب.

غياب الملامح الموحدة

أثبتت دراسات عدة تناولت التيار الحالي من المقاتلين الإرهابيين الأجانب، إلى عدم وجود ملامح موحدة لهم، بل تم اختيار المجندين من مجموعة متنوعة من الخلفيات العمرية، والتعليمية، والمهنية، والاجتماعية، والاقتصادية.

وفي حين يشكل الذكور من 20 إلى 30 عامًا غالبية المجندين، إلا أن داعش شهد انضمام المراهقين الشباب، وكبار السن الذين تتقارب أعمارهم من الـ60 وأكثر.

وكانت نسبة كبيرة من المقاتلين الإرهابيين الأجانب من الشباب الذكور المحرومين اقتصاديًا ممن ينتمون إلى خلفيات مهمشة اجتماعيًا أو سياسيًا، كما انضم إليه أثرياء، وحاصلون على مستوى جيد من التعليم، ومتسربون من المدارس، وحاصلون على شهادات جامعية، وعمال جائلون.

عاش كثير من المقاتلين الإرهابيين ماضيًا تملؤه الاضطرابات، ولم يكن جميع المقاتلين الإرهابيين الأجانب متدينين.

أساليب التجنيد

لعبت شبكات التواصل دورًا مهمًا في تحفيز الأفراد على السفر إلى سورية، متأثرين بالأصدقاء والأقارب، ويعد الزعماء الدينيون الذين يؤيدون الأيديولوجيات المتطرفة مسؤولين كذلك عن التشدد، ودفع الأفراد نحو التطرف العنيف.

وانخفض متوسط سن التجنيد، حيث بدأ التجنيد حتى داخل الحرم الجامعي، وحصل هؤلاء على مساعدات من الأصدقاء والمعارف للسفر إلى سورية.

ولعب التقدم في وسائل الاتصال عبر الإنترنت، مثل مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الدردشة، دورًا رئيسًا في تجنيد المقاتلين. حتى في حالة عدم الاتصال بالإنترنت، يتمكن المجندون المحتملون من مشاهدة الدعاية الإرهابية، والتعرف على السرديات الإرهابية.

لماذا يصبحون مقاتلين

تختلف دوافع الانضمام إلى المنظمات الإرهابية اختلافًا كبيرًا، فمن قاتلوا في سورية حسب الدراسات فعلوا ذلك لرغبتهم مثلا في العيش في دولة الخلافة، وفي أنهم رأوا في قتالهم حربًا عادلة، حيث اعتقدوا أنهم يدافعون عن الإسلام ويحمون أتباع دينهم، ويلبون نداء الهجرة والقتال في الحرب المقدسة، إضافة للنجاح الوقتي لداعش وحرصها على إظهار نفسها كخلافة شرعية، خصوصًا بعد الهزائم التي ألحقتها بالقوات السورية والقوات العراقية، وكذلك نبوءات المعركة الفاصلة التي تقول إن معركة أرمجدون ومعركة الإسلام الفاصلة مع أعدائه ستقع في منطقة الشام بقيادة المهدي، وهذه أصبحت جزءًا من أيديولوجية داعش.

ولا يمكن إنكار أهمية العوامل المالية كحوافز، ناهيك عن «عامل التشويق» والإثارة للقتال في نزاع دائر خارج بلدان المقاتلين الذين كانوا يشعرون بالإقصاء، وعدم الانتماء إلى مجتمعاتهم المحلية، وبالتالي لم يكن لديهم ما يخسرونه.

نساء وأطفال

لم يقتصر المقاتلون على الشباب والكبار، فبين كل 5 مقاتلين سافروا من أوروبا إلى سورية كانت بينهم امرأة واحدة، وعلى الرغم من خروج زوجات عدة في الرحلة لمرافقة أزواجهن، إلا أن النساء العازبات والفتيات المراهقات تم إغواؤهن بالسفر غالبًا عبر الإنترنت، كما هاجرت عائلات بأكملها وراء حياة أفضل في المناطق التي يسيطر عليها داعش، بما في ذلك الأطفال.

واعتاد تنظيم القاعدة في العراق، وجماعات أخرى مماثلة، على استخدام الإناث كمقاتلات، ومثله جماعة بوكو حرام في نيجيريا، وتم استخدام الإناث لتنفيذ عمليات تفجير انتحارية.

وتلقت نساء داعش في بعض الحالات تدريبًا على استخدام الأسلحة النارية، وسمح لهن بحملها في الأماكن العامة.

واستخدمت النساء كذلك في التمريض والشرطة النسائية وتجنيد المهتمات والمقاتلين المحتملين.

وفي عام 2017 وحين قُتل عدد كبير من المقاتلين الإرهابيين الأجانب أثناء القتال في العراق وسورية استسلمت أكثر من 1300 امرأة وطفل في معركة واحدة فقط -هجوم تحرير الموصل من هيمنة داعش- واحتجزتهم القوات العراقية.

ويتراوح متوسط عمر المقاتلين الإرهابيين الأجانب المنتمين إلى بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في سورية والعراق ما بين 18 إلى 43 عامًا.

ويُعد الأطفال الذين رافقوا آباءهم إلى سورية أو الذين ولدُوا هناك لأسر المقاتلين الإرهابيين الأجانب، مشكلة باعثة على القلق. ولم تجز داعش استخدام وسائل منع الحمل، بل تم حث النساء على إنجاب أكثر من طفل، يتعرضون لخطر انعدام الجنسية في حالة قتل أو سجن الوالدين.

وخلال الفترة ما بين 2014 و2016، يُعتقد أن داعش جند ودرب أكثر من 2000 فتى تتراوح أعمارهم بين 9 و15 عامًا، وبعد انتهاء تدريبهم يقدمون أدوارًا داعمة مثل علاج الجرحى، أو التجسس أو القنص أو القتال في الخطوط الأمامية.

تطور الظاهرة

قبل اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011، شارك نحو 30 ألف مقاتل أجنبي مسلم من البوسنة وكشمير والفليبين في 18 نزاعًا مختلفًا، وأسفرت هجمات القاعدة في 11 سبتمبر على نيويورك وواشنطن عن منح تنظيم القاعدة مصداقية هائلة في أعين المجتمعات المتطرفة العنيفة، ففي حين اعتُبرت النزاعات السابقة حروبًا دفاعية شُنِّت للدفاع عن السكان المسلمين المحليين، تمكنت القاعدة من تصوير الحرب العالمية ضد الإرهاب بأنها حرب ضد الإسلام، واستنفار المسلمين للقيام بواجبهم الديني بالانتفاضة ضد «الغرب».

وفي عام 2003 استغلت القاعدة غزو العراق لتصوير تعرض العالم الإسلامي للهجوم، وبعد فترة وجيزة من غزو العراق، بدأ المقاتلون الأجانب في دخول البلاد، واستجاب ما بين 4000 إلى 5000 مقاتل من الإرهابيين الأجانب للدعوات، وشكلوا ما يصل إلى 5% من إجمالي المتمردين العراقيين. ومثّل المجندون، من بلدان الشرق الأوسط، جيلا جديدًا من المقاتلين، حيث كانوا في أوائل العشرينات من العمر.

تفجيرات انتحارية

تولى المقاتلون الأجانب تفجيرات انتحارية وقطع رؤوس في العراق طال قوات التحالف، وبعد اندلاع الحرب الأهلية في سورية 2011، أنشأ أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق فرعًا رسميًا للتنظيم في البلاد، حمل اسم جبهة النصرة، وسعت قادته لإنشاء ملاذ آمن في سورية، وسرعان ما تدفق المقاتلون الأجانب بين البلدين.

وفي 2013، تحرك أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم القاعدة في العراق آنذاك، للاستيلاء على السلطة، وأعاد تسمية تنظيم القاعدة في العراق ليصبح داعش بالإعلان عن إنشاء خلافة، تدفق إليها المقاتلون الأجانب، ومع المواد الدعائية المُقنعة التي استخدمتها داعش مثل تصوير أعمالها العسكرية الناجحة، ومزايا العيش تحت حكم الخلافة تدفق المقاتلون بشكل غير مسبوق من جميع أنحاء العالم إليها.

في ذروة صعود داعش، عاش ما يقرب من 10 ملايين نسمة في مناطق خاضعة لسيطرتها في العراق وسورية، ووصل تدفق المقاتلين الأجانب عبر الحدود التركية السورية إلى 2000 شخص شهريًا، وبحلول 2015، سافر ما يقرب من 40.000 فرد من أكثر من 120 دولة إلى العراق وسورية للقتال، وهاجر ما يقرب من 80% من هؤلاء المقاتلين للانضمام إلى صفوف داعش والعيش تحت حكم الخلافة، ما أسفر عن تكوين قوة مشتركة مع السوريين المحليين والعراقيين يقدر عددها بنحو 100 ألف مقاتل، ووردت أنباء تُفيد بأن أكثر من 50 جماعة إرهابية حول العالم قد بايعت تنظيم داعش.

كما اعتمد داعش بالاستناد إلى مقاتليه الأجانب ما سمي بـ«هجمات الذئاب المنفردة»، حيث ينتسب الشخص أو المجموعة لداعش، دون أن تربطه أي صلة مباشرة بالجماعة، ويُشار إلى مثل هذه الهجمات باسم «الجهاد بلا قيادة».

وبلغ عدد الهجمات من هذا النوع في 2016 لوحده، 35 هجمة نفذت في 16 دولة، وأسفرت عن مقتل 172 شخصًا.

أين ذهب المقاتلون

تشير الأبحاث إلى أن ما يقدر بنحو 14.910 من المقاتلين الإرهابيين الأجانب قد غادروا العراق وسورية، ومن المؤكد أنهم لم يعودوا جميعًا إلى بلدانهم الأصلية، وربما بحثوا عن ملاٍذ في بلدان أخرى، حيث يتمكنون من تعزيز قدرات الجماعات العنيفة المحلية.

وتعددت الوجهات أمام المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين يسعون للوصول إلى ساحات معارك جديدة، حيث نشطت فروع داعش في أفغانستان وليبيا وسيناء واليمن، وتم الإبلاغ عن تحرك هاربين من المقاتلين نحو مقاطعات داعش تلك.

ويؤدي تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين وطالبي اللجوء من مناطق النزاع إلى تزايد مخاطر محاولة المقاتلين الإرهابيين الأجانب استخدام نظام اللاجئين أو طرق تهريب المهاجرين، إما للهروب من الملاحقة القضائية، أو للانتقال إلى مسارح عمليات جديدة.

وبحسب الأرقام التي أقرتها الأمم المتحدة، فر أكثر من 5 ملايين سوري إلى الخارج هربًا من القتال في سورية، وقدم أكثر من 970 ألفًا منهم طلبات لجوء في أوروبا.

تهديد القاعدة

على الرغم من الحديث عن داعش، لا يزال تنظيم القاعدة يشكل تهديدًا كبيرًا على مستوى العالم، حيث تشن فروعه الإقليمية هجمات تُسفر عن أعداد ضخمة من الضحايا، ولا يزال تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وتنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، وتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وحركة الشباب في شرق إفريقيا، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتنظيم القاعدة في أفغانستان، نشطين.

وفي محاولة لتوسيع دائرة نفوذها، أعلنت القاعدة في 2017 عن فرع جديد لها في جامو وكشمير، وقد يعود المنتسبون إلى داعش الذين كانوا مرتبطين سابقًا بالقاعدة إلى ولائهم القديم.

أصناف المقاتلين الإرهابيين

1ـ الساعون وراء الانتقام.

2ـ يريدون مكانة.

3ـ الباحثون عن الهوية.

4ـ الساعون وراء الإثارة.

%5 من إجمالي المقاتلين في العراق بعد 2003 كانوا أجانب

20 إلى 30 سنة متوسط أعمار المقاتلين الأجانب مع داعش

100 حرب أهلية شارك فيها مقاتلون أجانب

30 ألف جهادي من البوسنة وكشمير والفلبين قاتلوا في 18 نزاعا مختلفا قبل 2011