ولدت جليلة زوج كليب غلاما فسمته الهجرس، ورباه خاله جساس، فكان لا يعرف أبا غيره، وزوجه ابنته.

فوقع بين الهجرس ورجل من بني بكر بن وائل کلام؛ فقال له البكري: ما أنت بمنته حتى نلحقك بأبيك! فأمسك عنه ودخل على أمه كئيبا، فسألته عما به، فأخبرها الخبر.

فلما أوى إلى فراشه تنفس تنفسة حارة، فقصت الجارية على أبيها قصة الهجرس، فقال جساس: ثائر ورب الكعبة!


وبات جساس على مثل الرضف حتى أصبح، فأرسل إلى الهجرس فأتاه فقال له: إنما أنت ولدي ومني بالمكان الذي قد علمت، وقد زوجتك ابنتي، وأنت معي، وقد كانت الحرب في أبيك زمانا طويلا حتى كدنا نتنامى، وقد اصطلحنا وتحاجزنا، وقد رأيت أن تدخل فيها دخل الناس فيه من الصلح، وأن نأخذ عليك مثل ما أخذ علينا وعلى قومنا. فقال الهجرس: أنا فاعل؛ ولكن مثلي لا يأتي قومه إلا بلأمته وفرسه، فحمله جساس على فرسه وأعطاه لأمة ودرعا، فخرجا حتى أتيا جماعة من قومهما.

فقص عليهم جساس ما كانوا فيه من البلاء وما صاروا إليه من العافية، ثم قال: وهذا الفتى ابن أختي قد جاء ليدخل فيما دخلتم فيه ويعقد ما عقدتم.

فلما قربوا الدم وقاموا إلى العقد أخذ الهجرس بوسطه رمحه، ثم قال: وفرسي وأذنيه، ورمحي ونصليه، وسيفي وغريه، لا يترك الرجل قاتل أبيه وهو ينظر إليه، ثم طعن جساسا فقتله، ولحق بقومه، فكان آخر قتيل في بكر بن وائل.