لا شك أن الحدث السياسي هو سيد الموقف وطعام الشعوب العربية اليومي، فلم يعد هناك الكثير من الوقت إلا للحديث عن صراعات بعض السياسيين مع شعوبهم ومع الشعوب الأخرى، وحتى الرياضة التي ما زالت تستولي على عقول عامة الناس وخاصتهم، تراجعت في ظل سطوة الحدث السياسي المنقول مباشرة ومن موقعه، مثله مثل مباراة في كرة القدم.

ولهذا انفتحت شهية بعض رجال الأعمال ومعظم أرباب السياسة لفتح قنوات إخبارية جديدة، والمزيد في الطريق، بعد أن كادت القنوات الأقدم تغلق أبوابها قبل سنتين. وليس الأمر مستغربا، بل هو الطبيعي أن يكون الهم السياسي هو الغالب، خصوصا بعد أن تحول الربيع إلى خريف ودماء وأشلاء أشبه بخريطة العالم العربي الجغرافية، فما يحدث سيؤدي حتما إلى تغيرات كبيرة وجذرية في العالمين العربي والإسلامي في المجالات الاجتماعية والفكرية والاقتصادية وبالطبع السياسية، وهو ما يستلزم بالضرورة تأثيره تأثيرا مباشرا على الأعمال الإبداعية سواء الفنية أو الأدبية، وهو ما بدا يظهر هنا وهناك خصوصا في المجال الفني.

لكن ما أخشاه أن يكون هواة "السلق" السردي والشعري الذين ابتليت بهم الساحة الثقافية في المملكة وربما بعض الدول العربية الأخرى، قد بدؤوا في سهر الليالي والسباق مع الزمن في "صفصفة" كلمة من هنا وأخرى من هناك، ليكونوا أول من "يحتفل" بهم الإعلام، لأن أعمالهم المعدة على طريقة الوجبات السريعة، قد تطرقت لما يحدث من صراعات سياسية وإيديولوجية.

فمشكلة هذه الأعمال "الوجبات السريعة" أنها ستكون "قليلة الدسم" وهزيلة الجسد، كغيرها من روايات "نص الكم" التي امتلأت بها مخازن دور النشر العربية خصوصا في بيروت والقاهرة وعمان، بعد أن دفع أصحابها "المقسوم" وذهبوا وهم يحملون لقب "مؤلف"، وفي الوقت نفسه ذهبت أعمالهم إلى المخازن انتظارا للحرق بعد مدة، لتحل مكانها دفعة أخرى. أما أصحابها "المؤلفون" فهم أصبحوا أشبه بالفراش الذي يحترق على قمة الشمعة (الإعلام). وعلى الرغم من أن رمادهم سيتناثر مع الريح إلا أن غباره يبقى ملوثا للأجواء المحيطة به، وقد يتسبب في حجب الرؤية عن نحاتي الكلمة الذين يحفرون الصخر لكي يصنعوا أعمالا تخلد مئات وربما آلاف السنين كما فعل أسلافهم.