الفضيلة الاجتماعية والأخلاقية في مفهوم المجتمعات العربية تقاس عادةً بنظرة جنسية وحدية بحتة.. والمشكلة أنها لا تطبق قياس هذه النظرة على نفسها فقط، بل على كل مجتمعات العالم من حولها بمختلف الأزمنة.

المجتمعات العربية تقيس الفضيلة بطريقة تنظيم الناس لعلاقاتهم الجنسية فيما بينهم. فيصف العرب عادةً بالفجر والفسوق والانحلال الأخلاقي أي مشهد يرونه في مجتمعات العالم من حولهم، يُظهر طريقة تعامل أفراده مع الجنس بمختلف نواحيه.

سواء أكان يعكس طريقة اعتماد الشرعية في علاقة بين رجل وامرأة، أو يعكس الحدود المجتمعية في التعامل بين الجنسين، سواء أكان ذلك على مستوى علاقاتهم العامة أو الخاصة.


حيث تحكم المجتمعات العربية على أخلاق المجتمعات الأخرى ومدى فسادها، بمدى تعاطي المرأة عندهم مع جسدها ولبسها وحريتها الشخصية، وقوة استقلاليتها وطريقة اختيارها لشريكها.

فالمرأة في المجتمعات العربية يُنظر لها عادةً على أنها هي رمانة ميزان الفضيلة والأخلاق والعفة بالمجتمع، ووفقاً لتلك النظرة يُلقى على كاهلها كُليةً المسؤولية الأخلاقية.

فالمجتمعات العربية تقيس مدى فضيلتها ودينها بمدى عفة واحتشام نسائها، ومدى تغطية المرأة لجسدها وإخفائها لأي ملامح لأنوثتها، وقد يصل ذلك الإخفاء وتلك التغطية حتى لوجهها.

وأيضاً تقع على المرأة المسؤولية الأخلاقية والدينية، في تصدير المواطن الصالح للمجتمع، مسؤولية كُلية يكاد يفلت تماماً منها الرجل. وفي الحقيقة وظيفة تصدير المواطن الصالح للمجتمع، هي وظيفة إنسانية بحتة وإيثارية بامتياز، فتربية الأطفال سواء أكانوا أبناءك أو أبناء غيرك هي عمل إيثاري بحت، تضع فيه وقتك وتركيزك واهتمامك كله لغيرك، وغالباً ما يحتاج لاستعداد عالٍ لإنكار الذات وتحمل المحن وبذل التضحية في سبيل إنجاح تلك المهمة.

وهي أيضاً المسؤولية الأخلاقية الكبرى والأهم في عالم الإنسان كله، وغريب جداً أن تُلقى على عاتق جنس دون الآخر!!.

المشكلة الحقيقية في تحميل المرأة عبء أغلب أو أصعب مسؤوليات الفضيلة الأخلاقية في المجتمعات العربية، إن تلك المسؤوليات، وذلك العبء تصبح في النهاية عملا بلا مكتسبات وفضلا بلا أجر.

فالمواطن الصالح المُصدر للمجتمع من قِبل المرأة لا يُنسب لها اسماً ولا يكون لها فيه قرار.

وحتى مهمة الحشمة والعفة المتطرفة التي رُميت عليها لم تأخذ منها مكتسبات مثل ما أخذت منها تضحيات.

فالمرأة أصبحت عامل بلا أجر في محراب الفضيلة، تتولى حمل الفضيلة وحدها بدون عوائد، فالعوائد يستفرد بها الرجل وحده دون المرأة. فالرجل لا يُلقي على عاتقه حمل عبء مسؤولية الفضيلة سواء أكانت فضيلة العفة الجسدية أو فضيلة تربية وإنشاء الصالحين، فيفلت بنفسه وينجو من كل التضحية والإيثار وإنكار الذات التي تتطلبها تلك الفضائل.

ويترك الرجل لنفسه المساحة الكبرى والمجال الأكبر للانشغال الدنيوي بكل مضاميره وأراضيه ويتحصل به على كل مكتسباته وطوائله.

حيث يمنح الرجل لنفسه أولوية العمل والتصدر الخطابي والفكري والديني والقيادي، ويتحصل على كل مردوداته من مال وشهرة ومكانة اجتماعية وغيره.

وهذا غريب لأن الرجل نزلت عليه الرسالات السماوية سواء أكانت تتضمنها شريعة أم لا. إذاً كيف يُلقي حِمل الفضائل الأخلاقية على المرأة وحدها؟!! وكيف تُصبح انشغالات الدنيا ومكاسبها للرجل فقط؟!.

الأنبياء أغلبهم كانوا زاهدين عن الانشغالات الدنيوية ومكتسباتها، وهذا ما تتطلبه حقيقةً المسؤولية الرسالية التي كانت مطلوبة منهم، فلم يحصلوا لا على جاه ولا على مال ولا غيره. بينما كان هناك نساء تم ذكرهن بالقرآن لعظم مكانتهن عند الله، لم نعرف عنهن إن كن أمهات أو منقبات أو محجبات مثل الملكة بلقيس، كانت ملكة تملك وتحكم، وتتحكم بكل مفاصل الدولة وتفاصيلها.

في الحقيقة واجب صنع الفضيلة وحمايتها في المجتمعات هو مسؤولية من الطبيعي أن يتشاركها الرجل والمرأة على حد سواء، وتبعاً لهذا تتساوى بينهما مكتسبات الواجبات، ألا وهي الحقوق.