كم هو جميل هذا البيت.. سنون مضت وأخرى توالت وولت والعالم مستمر في مده وهيجانه، وكذلك الدهر يواصل إصدار أحكامه، رغم كل ذلك لا يزال هذا البيت صامدا يحافظ على مكانته ويجدد أوراق اعتماده سفيرا للجمال في حضرة الأعياد عاما بعد عام، في رائعة من روائع المتنبي.
حتى العيد نفسه لم يستطع تحقيق ذلك الصمود الذي حققه هذا البيت، بل أخفق حتى في الحفاظ على هيبته ووقاره.. فكل مؤشرات العيد من فرح وسعادة وحتى اهتمام تسجل هبوطا أو تدنيا ملحوظا، في حين هذا البيت مازال صامدا شامخا لا يرضى بالذبول ولا الأفول. عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ.. بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ.
في كل عام يطل علينا هذا البيت مرة أو مرتين وأكثر من ذلك بكثير، يطل علينا بشكل أو بآخر، ولا ندري من أين يأتينا!، لكن الأكيد أنه لابد أن يسجل الحضور، وفي كل مرة يحضر العيد، يحضر هذا البيت بتساؤلاته وهمومه واهتماماته.. يحضر ليفتح الباب للسؤال نفسه.. «عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ...».
يحضر بالسؤال ذاته، الذي يحمل في طياته هذا العيد ألف سؤال وسؤال، وإن كان كسابقه من حيث الرتابة والظهور، لكن الحال لا يخفى على أحد.. تداعيات وإفرازات وحكايات لا تخلو من الأسى، ولا مما يسمى بأم الغثا.. تراجيديا لا تنتهي.
لن أطيل عليك وسأبوح، وعذرا إن تأخر هذا البوح، ففي الخاطر ما تضيق به الروح، وإني لأدرك أيها العيد كم أنت جريح، ولكن عذرا، فالوضع لا يحتمل ألا أكون صريحا.
أيها العيد لعلك لاحظت ذلك الحال الذي استقبلناك فيه وتلك الخطى التي كنت تسبقنا بها.. خطى مترنحة وغير متزنة، وحلة ارتديناها وكل العلامات والمؤشرات والمقاييس تؤكد أنها ليست لنا ولا بمقاسنا، فهي لا تلائمنا ولا تليق بنا البتة.
ربما الظروف وربما الوقت أو الحاجة، وربما هو صراع العولمة من أجبرنا على ذلك وعلى ارتداء تلك الحلة، وبتلك السرعة والرضا والقبول، وذلك التسليم غير المعقول، لكن الواضح والأكيد أيضا أننا فقدنا بذلك شيئا عظيما.
لست أدري لكن الأمر واضح جلي.. هو بفعل فاعل أو من تداعيات العولمة لكنه بات واقعا شئنا أم أبينا، فما بين عشية وضحاها تغيرت الإعدادات، ولعلك لاحظت أيها العيد أو أدركت ذلك، وأن بعضها أو جلها قد جاء قبل وقته، فظهرنا بتلك الحال، وعلى تلك الهيئة. أيها العيد صدقني أن كل ما فعلته كورونا، كل ذلك يهون مقابل تداعيات ذلك التغيير في الإعدادات؟!.
نعم فتلك الإعدادات من الواضح أن تغيرها سيجلب لنا فيروسا أشد فتكا من متحور كورونا.. نعم حتى ونحن نتفق على أن قيادة المرأة حل لمعاناة الكثيرات من عاملات أو معلمات أو مقطوعات، حتى ونحن نؤيد إعطاء المرأة كل الحقوق الممكنة والمقبولة وفق الشريعة، ولكن ليس لدرجة العقوق وإسقاط الولاية والحقوق بذلك الشكل.. ليس لدرجة تهميش المحرم وفتح أبواب المأثم.
أيها العيد.. لقد رحلت وخلفت كل تلك الاستفهامات بما تحمله من حقائق وعلامات أقل ما يمكن أن نقول عنها إنها مؤلمة، ولن تجلب إلا مزيدا من الأسى.
لذا إن سمحت أيها العيد لا تتركها مرة أخرى، أخمدها وارحل بها معك ولا تتركها مجددا حتى لا تفتح ملفات أخرى، لا تزيد الوضع إلا التهابا وألما، واحسب أنك تدرك أن الوضع لا يحتمل أن نبث أو ننثر المزيد؟.
ولا تثريب عليك اليوم.. فنحن سننتظرك من جديد، فما زال في قلوبنا مساحات للحب والفرح لا تنتهي، برغم كل ذلك وأكثر، ما زلنا نتصدر المشهد.
صفنا مجموع وصوتنا مسموع.. فما زال طويق بصموده وشموخه يسابق بنا الزمن ويتحدى كل الفرضيات والاحتمالات، يمشي واثقا في خطواته ومميزا في حساباته وقراراته.
لقد تصدرنا العشرين واقتصادنا يأوي إلى ركن متين، ونحن لا شك مع قيادتنا بطموحات تعانق السحاب وتبلغ الآفاق، فبميزان العقل والمنطق والأجواء المحيطة، برغم كل ذلك وأكثر ما زلنا نتصدر المشهد بل نتقدم ولا نتأخر.
أفلا يحق لنا بذلك أن نفخر؟!.
بأي حال عدت يا عيد.. سننتظرك فما زال في قلوبنا مساحات للحب والفرح.