في انتظار وصول الطبيب إلى مكتبه، دخل يلوح بيده قائلاً: «العذر والسموحة»، قهوةٌ في يده الثانية، عقال مائل وشماغهُ يرفرف خلف ظهره.. فكان حُكمي الأول عليه بأنه بدوي! وما الذي ساقني إليه، إلخ من الهلاوس العنصرية.

بادر بالسؤال عن اسمي قائلاً: «يالأميرة شسمك»، وكطبع أي أنثى، عدلتُ عن حَكمي بسبب كلمة لطيفة.. وما لبِث إلاّ أن بدأ بالحديث مع الممرضة بلهجة خيّل إليّ أنه صوت قادم من جواله، لكنة لم أستطع أن أفرق بينها وبين ريفيّ أمريكي، فكان صوته، صوت الطبيب البدوي.

العنصرية هنا وهناك بين حكمٍ وتخمين، في كل تعامل وردةُ فعلٍ لأي شيء لا يشبه عالمنا الذي نشأنا فيه، ليست فقط باللون أو اللباس، ولا بديانة وجنسية واحدة، هي في كلّ شيء وقد تتغاضى عنها بمجرد رشوة عابرة بكلمة تُشبع الأنا الخاصة بك.


مفهوم العنصرية لم يعد كما كان سابقا فالمظاهر أصبحت فرعا أساسيّا منها، فأنت قد لا تجالس من لا يشبهك بالظاهر، فتبدأ بالبحث عن الظاهر لِتتماشى مع أو لِتكمل صورتك للعابرين الذين قد يلتفتوا إليك وقد لا يرونك حقا.

اللون لا يد لنا فيه، ولكن الباقي كان من صنع أيدينا بداية بتجزيء الطبقات الاجتماعية وتسليط الضوء عليها بطريقة خاطئة، وأين السبيل إلى تصحيحها؟، لا أعلم فأنا من بين هذه الطبقات التي أدعي بأنها لا تمثلنا، ولكنني منها، نعم.. هذه هي المتاهة التي لا تنتهي ولا تبرير لها.

طبيب بدويّ، ذعرت من أن يفحصني، ولكن إن كان يلقي محاضرة صوتية فلن أتردد لحظة بأن أقابله كي أرى ما وراء هذه اللكنة المتقنة ! وما كان خلفها إلا ثقة وفخرًا بماضيه، وما جعل منه هذا الطبيب.

إذن، لعلّ تصحيح هذا المفهوم يبدأ بأن نجرّد كل فرد مما يلاصقه، فنباشرُ معاملته كجسدّ حي، حيّ فقط، يتعامل بإشارات حسيّة ونواقل عصبية توصل له ولنا ردة الفعل المناسبة لا أكثر ولا أقل.

فأنا أنا، وأنت ما نشأت عليه، وجاري ليس بجارك، وبشرتي لا تطابق بشرة أخي حتى! وديني أنا لا يجبرني إلا على تركها بوصفها مُنتنة ويحثني على أن أٌفارق بيني وبين الآخر بالتقوى.

(بعد فحصه لي، قال لي بأنني أمتلك أعصابًا ملكيّة و هذه هي الخصال البدوية المحمودة).