فقام رجلان منهم إليه، فقال له أحدهما: يا عبدالله فقال له هلال: أنا إلى غير ذلك أحوج. قال: وما هو؟ قال: إلى لبن وماء؛ فإنني لغب ظمآن، قال: ما أنت بذائق من ذلك شيئًا حتى تعطينا عهدًا؛ لتجييننا إلى الصراع إذا أرحت ورويت.
فقال لهما هلال: إنني لكم ضيف، والضيف رب منزله، وأنتم مكتفون من ذلك بما أقول لكم: اعمدوا إلى أشد فحل في إبلكم وأهيبه صولة، وإلى أشد رجل منكم ذراعا؛ فإن لم أقبض على هامة البعير وعلى يد صاحبكم فلا يمتنع الرجل ولا البعير حتى أدخل يد الرجل في فم البعير، فإن لم أفعل ذلك فقد صرعتموني، وإن فعلته علمتم أن صراع أحدكم أيسر من ذلك.
فعجبوا من مقالته تلك، وأومؤوا إلى فحل في إبلهم هائج صائل قطم، فأتاه هلال ومعه نفر من أولئك القوم وشیخ لهم، فأخذ بهامة الفحل مما فوق مشفره، فضغطها ضغطة جرجر الفحل منها واستخذى ورغا.
وقال: ليعطني من أحببتم يده أولجها في فم هذا الفحل. فقال الشيخ: یا قوم، تنبوا هذا الشيطان، فوالله ما سمعت الفلان - یعنی هذا الفحل - جرجر منذ بزل قبل اليوم، فلا تعرضوا لهذا الشيطان.
وجعلوا يتبعونه وينظرون إلى خطوه وينجبون منه حتى جاوزهم.