لدينا الكثير من البارعين في صنع الضجيج، هذا الفن الذي لا يحتاج إلى مهارات معينة بقدر حاجته إلى المسارعة في اقتناص الفرص، والتخلي عن أي مبادئ تتعارض مع ذلك. ستصدم حتماً حين تبحث عن الحراك الذي يشغل النخب السعودية، من مثقفين وأدباء وإعلاميين، حالياً، وستزداد حسرة حين تستعرض خلال السنة الماضية، مثلاً، أبرز القضايا التي شغلت تلك النخب.

أصبح النقاش الذي يسيطر على مساحات الحوار، سواء في المنتديات أو في شبكات التواصل الاجتماعي، لا علاقة له بقضايا المجتمع الفكرية والثقافية، وما يشغل المواطن في قوت يومه، أو وظيفته، أو تعليمه، أو سكنه، أو علاجه؛ بل تجاوزت ذلك كله إلى ما قال "فلان أو فلانة".

انشغلنا بـ"مقطع" صوتي منذ أيام، مثلما انشغلنا قبله بـ"تغريدة" آخر، وسننشغل غداً بـ"برودكاست" جديد ربما يحمل صورة.. وسيستمر الضجيج الذي يحجبنا عن الاستماع إلى ماهو أهم؛ طالما أن نخب الوعي ما زالت تتعاطى مع كل شيء من منطلق المصلحة الذاتية، وخدمة التوجه الذي تتبعه، دون أي شعور حقيقي بمصلحة الوطن والمواطن.

من المفترض أن يخرج أي نقاش أو حوار، خصوصاً إن كان نخبوياً، بأفكار وأطروحات مفيدة تنعكس بشكل إيجابي على المجتمع، مثلما يقول مصطفى أمين "تولد الأفكار الكبيرة من احتكاك الآراء ومن الحوار والنقاش" فبالله عليكم، ما هي الأفكار التي سنخرج بها من مناقشات وحوارات كهذه؟

يبدو أن الوطن بالفعل يحتاج إلى مرحلة جديدة من الإصلاح، مرحلة تبدأ بتغيير تلك النخب المحسوبة على الوعي وهي بعيدة عنه، تلك النخب التي قدمت مصلحتها الذاتية على مصلحة الوطن، وأصبحت تقتنص كل شاردة وواردة لتوظفها بالشكل الذي يدعم توجهها، ويصنع منها قضية تخدم مصالحها.

استمرار هذا الضجيج لن يصنع وطناً متماسكاً، ولن يعالج أوجاعنا القديمة، وبالتأكيد لن يمنحنا الوعي الحقيقي الذي ننشده ونسعى لأجله.