فحسب رواية الطبري كان العرب يطلقون تسمية نسيء على الشهر الذي كانوا يرغبون فيه بالقيام بالغزو أو التّصيد بينما كان العرف قد أعلنه شهرًا حرامًا، أي يمنع فيه أي شكل من أشكال العنف.
أما عند المسعودي فكان للشهر (نسيء) وظيفة أخرى: إذ كان يضاف كل ثلاثة أعوام كي يعوّض الشهر القمري القصير جدًا. إنه يبدأ كعادته بأن يضع لنا النص ضمن الزمن قبل أن يحدّد لنا ما هو نسيء: «تبدأ الأشهر الحرم بشهر محرّم، وتعد السنة 354 يومًا، أي تقل أحد عشر يومًا وربعًا عن السنة السريانية، مما يؤدي إلى فرق سنة واحدة كل 33 عامًا.
فقبل الإسلام كان العرب يدرجون شهرًا إضافيًا كل ثلاثة أعوام. وهو ما كانوا يسمونه «النسيء» وقد لام الله هذا العرف في الآية 37 من سورة التوبة: «إنما النسيء زيادة في الكفر».
لقد اعتمد العرب ترتيبًا منتظمًا في أشهرهم: كانوا يتحدثون عن محرّم، الشهر الأول في السنة، وسمي كذلك لأن الحرب وضربات الأيدي كانت ممنوعة خلال الشهر كله.
هذان التفسيران ليسا متناقضين بالضرورة، يمكن التخيل -كما يحصل ذلك عندما تحلّ البلبلة على الساحة السياسية- أن القبائل التي تتمسك بالتصيد وبالقتل دون احترام هدنة شهر محرم سترفض إدراج شهر نسيء كل ثلاثة أعوام.
لقد أعطى الإسلام لشعب مفكك ويفتقد إلى النظام، أعطاه وسيلة لامتلاك الزمن ولاستخدام الكواكب وثوراتها. فالتفوق على الأرض يمرّ عبر السيطرة على السماء.
لو كان صدام حسين -مثلا- قد قرأ مقدمة الطبري لتاريخه، لكان وصل بسرعة إلى استنتاج أن الزمان، الزمان بالمعنى العام لتتابع الساعات، الذي وصل نفسه به هو زمان واشنطن.
ستصل امرأة إستراتيجية -ولو كانت بائسة مثلي- في الحال إلى الاستنتاج أنه، لا بد من توطيد هذه الإستراتيجية في السماء أولاً، مع وبواسطة المراقبة الخيّرة والضرورية للكواكب الحقيقية أو الاصطناعية.
كان ذلك مؤكدًا لنبينا الذي أمضى أكثر الفترات صحوًا من وقته في التأمل مليًّا حول المقدرة وطريقة الحصول عليها، فبمجرد أن نكبّ على تعريف الساعة أو النهار أو الليل نصل حالاً إلى النتيجة التالية: لا يستطيع المسلم أن يذهب بعيدًا دون مساعدة النجوم.
إنها هنا كي تسمح لنا بمعرفة موضعنا وبضبط التأريخ، هكذا يشرح الطبري الآية 12 من سورة الإسراء 17: «وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكلّ شيء فصّلناه تفصيلا». الإستراتيجيون الكبار يضمنون النجاح لجيشهم وهم ساهرون على نقاط صغيرة ظاهريًا كمواقع الينابيع، ومراقبة التموين، والطريق ونقاط العبور.
وبشكل خاص على تنظيم العمليات حسب زمن موقوت بصرامة.
ويبدو أن صدام حسين -في ضرب العراق- قد أهمل تفصيلاً صغيرًا جدًا أمّن النجاح لأعدائه. لقد كان موصولاً بالزمن العالمي الإجباري، وهو زمن يفلت منه تمامًا، لأنه كان ميزة لخصومه الذي لا يقومون بأي عمل حربي دون «استشارة النجوم».
1991*
* باحثة وكاتبة مغربية «1940- 2015».