تختلف أنماط وأطوار التفاهم والتواصل من شخص إلى آخر، ومن مقام إلى مقام، وتحدد مدى قوة أسلوب الإنسان، وإبداعه في التواصل الفعال وإيصال المعنى عوامل عدة، تشمل الأساليب المادية المحسوسة، وأساليب أخرى معنوية تعبيرية مثل الإيماءات الجسدية والإشارات وتعبيرات الوجه، وغيرها من سبل التواصل والتفاهم الفعال مع الآخرين.
وكذلك ميزه الله بتفرد التركيب الجسمي الملائم لما آتاه الله من قدرات وطاقات مختلفة مثل مرونة الحركة وذكاء الأداء، والابتكار والتجديد، وعمارة الأرض بكل السبل المادية والمعنوية، حتى وصل بقدرة الله وبما آتاه من قوة وفكر، إلى ابتكار أجيال من التكنولوجيا المتطورة ووسائل الرفاهية في البيوت والشوارع والمجتمعات، حتى عمت العالم بالتدريج في فترة وجيزة.
رحلة بدأها الإنسان بوسائل وأدوات بسيطة، وانتهت بالتطور الهائل في وسائل النقل والأثاث والملابس والمأكولات والمواصلات، وصولا إلى طرق ووسائل التواصل المختلفة، وعالم الإنترنت والعالم الافتراضي.
ونظرا لوجود تلك الصفات الإبداعية الفريدة في تكوين الجنس البشري، نجزم أنها بكل كفاءة تؤدي في مجملها إلى أهم وأثمن كنز يمتلكه الإنسان، وهي تلك الصفة البشرية الفريدة، المتمثلة فيما يدعى بـ«الإنسانية»، وما تحتويه من مكونات المبادئ والأخلاق والقيم العلياء، وفي مقدمتها الرحمة والعطاء والإيثار والتضحية. «الإنسانية»، بدون أدنى شك، تختلف درجاتها ومستوياتها من شخص إلى آخر، فهي تبدأ من الشعور بأقل درجات الإنسانية لدى البعض، وتتدرج حتى تصل إلى أعلى درجات الرحمة والتعاطف والعطاء، ثم الانصهار مع الآخرين على أنهم بشر، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.
وبالنظر إلى مجريات الحياة وسلوكيات الناس في تعاملاتهم وتواصلهم، نجد أشخاصًا يعيشون على هامش الإنسانية، ولا يعرفون أقل آدابها، بل البعض منهم قد ينحدر إلى أدنى من ذلك.
فنلاحظ إنسانية مفقودة في شخص يصور ميتا أو مصابا ينزف دما في حادث، من أجل أهداف تافهة، أو أب يتخلى عن مسؤولياته، ويترك أحد أفراد أسرته يصارع المرض حتى الموت، فاقدا رحمة الأبوة والشفقة، أو ابن عاق لوالديه بشكل دائم، وآخر يبادر بقتل أحدهما أو كليهما، استهتارا أو تلبية لنداءات الشر والانحراف الفكري.
وما أقل إنسانية من شخص يؤذي الناس بلسانه أو تصرفاته أو أفعاله أو يعتدي، ظلما وبهتانا، على حقوق الغير، ويتلصص على خصوصياتهم. وليس أسوأ إنسانية من مسؤول متكبر، لا يراعي الله في عمله، فلا ينهي المعاملات ولا ينجز المطلوب، ولا يقضي حجات الناس إلا بالرشوة أو الواسطة الذميمة، أو يسعى إلى تبديل الحقائق أو إخفائها، أو المحاباة الآثمة، والعمل دون ذمة وأمانة.
وهنا يجدر بنا أن نشير إلى أن «الإنسانية» مفتاح كل خير وسعادة، وتعود على الإنسان والمجتمع بالفائدة والصلاح.
لذلك، فإن الدين الإسلامي وضع التشريعات والقوانين والأحكام المختلفة، لحفظ حقوق الإنسان، وتعزيز الصفات والأخلاق الفطرية التي ترفع من قيمة الأفراد والجماعات البشرية، وتحفظ إنسانية البشر.
وفقنا الله جميعا إلى فعل الخيرات والرقي الذاتي والمجتمعي.