الكل معرض في حياته اليومية لما قد ينغص يومه، ويعكر صفوه بكلم أو فعل في غير موضعه، ولكن التعاطي معها يختلف من شخص لآخر. منا من يُسهل استفزازه ويستشيط غضبا، ليستحيل يومه لبركان من المشاعر والانفعالات، ليمضي دون أن يستلذ المعنى الحقيقي ليوم لن يعود ولن يتكرر أبدا، على عكس البعض الآخر يتغافل ويتجاوز، يغض طرفه عن بعض المواقف والسلوكيات، ويمر عليها مرور الكرام دون أن يتعثر بما قد يُسقط يومه، وقد يأخذ بسقوطه عزيزا أو قريبا لزلة تُغتفر.

رب رحم يشفع له أو صداقة صادقة، وإن كان غير ذي إنسانية سامية خُلقاً وتخلقا.

قيل إن الإمام ابن حنبل سُئل: «أين نجد العافية؟» فقال: «تسعة أعشار العافية في التغافل عن الزلات»، ثم قال: «بل هي العافية كلها». العاقل الفطن لا يقف جابيا للزلات ولا مُتصيدا لهفوات، متتبعا لأخطاء غيره، مستجلبا الشقاء والتعاسة لنفسه، ليتعب ويُتعب غيره بكثرة التدقيق والتمحيص في القول والفعل.


(قال ابن الأثير متحدثا عن صلاح الدين الأيوبي: وكان صبورا على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب أصحابه، يسمع من أحدهم ما يكره ولا يعلق رغم ذلك ولا يتغير عليه).

تغافل حينا وتجاهل أحيانا، وتغابى وإن كنت عالما.. فلا ضير من ذاك، فليس كل ما يُصدف لنا أو يُقال يستحق الرد، قالها جبران: «إذا تعلمت التجاهل فقد اجتزت نصف مشاكل الحياة».

التغافل فن تعامل لا يُحسنه إلا كريم ذو نفس راقية، وما أحوجنا في هذا الزمن للعمل به، استدامة للود والألفة بين الناس، ولراحة البال قبل كل ذلك، اشتري راحة بالك بما لا يكلفك شيئاً، إلا أن تتغافل وتتوقف عن إحصاء الصغيرة والكبيرة من البعيد قبل القريب.