نعم أنا أغار على ديني، وأغار على بلادي وعلى أسرتي، وعلى طموحي الذي ولد ليعيش بإذن الله، وغيرتي على هؤلاء تدفعني دوما للأمام، فلا الحواجز الاعتراضية يمكن لها أن توقف مساري وحراكي، ولو عجز الجسد فروحي بحول الله لن تعجز وستبقى تطير في الآفاق تنظر وتترقب، فإن أخفقت فلا ألوم إلا نفسي، فهي التي قصرت وأهملت، هذا ما وصلني من شاب حضر المعرض والمؤتمر الدولي للتعليم العالي الذي انعقد مؤخرا في "الرياض" واستمر ثلاثة أيام، والذي شاركت فيه (65) جامعة مصنفة ضمن أفضل (100) جامعة في العالم، بالإضافة إلى (58) جامعة وكلية سعودية منها (24) جامعة حكومية و(28) جامعة وكلية أهلية وست مؤسسات تعليمية، فقد أقبل قائلا: (أكثر ما لفت نظري في المؤتمر ليست عروض الجامعات السعودية والعالمية المذهلة بطبيعة الحال، بل تحركات من حضر المؤتمر من آباء وأبناء من الدول العربية والغربية مقيمين بيننا، فقد كانوا يتنقلون بين أركان الجامعات العالمية المشاركة في المعرض مستفسرين تارة ومجادلين تارة أخرى، وكان استفسارهم مقصورا على الأغلب عن تكاليف الدراسة فيها، وكيفية دفعها، وهل تقبل الجامعات الأقساط شهرية أم فصلية؟ وهنا تذكرت أبي وأمي وإخوتي وأخواتي، تذكرت حرصهم على إكمال دراستي العليا وتشجيعهم الدائم لأن أفعل، ولكني لم أنسَ أن أسرتي مع حرصها هذا عاجزة تماما عن مساندتي ماديا، فالتكاليف من الضخامة بمكان ما يجعلها عاجزة.. ولو لجأت إلى الاقتراض، فحمدت الله العلي القدير أن أعفنا من الوقوف هذا الموقف ومن الوقوع في هذا الحرج).
ثم أضاف: (منذ أيام معدودة وصلني خطاب من جامعة تعد من أفضل الجامعات العالمية يحمل خبرا كنت أنتظره منذ أشهر، فقد قبلت لدراسة اللغة الإنجليزية في معهد اللغات التابع لها، تمهيدا لقبولي كطالب للدراسات العليا، ومع فرحتي بهذا الخبر إلا أن قلبي انقبض ما أن وصلت إلى خانة خصصت لبيان تكاليف الدراسة، فقد بلغت حوالي 100 ألف ريال، وهذا لا يشمل ما سأستلمه من الوزارة كراتب شهري وتذاكر السفر ذهابا وإيابا.. علما أن هذه الجامعة على علم بأن دراستي للمرحلة الجامعية كانت باللغة الإنجليزية، هنا تساءلت عن مقدار تكاليف دراسة اللغة لو لم أكن مجيدا لها؟! ثم تفكرت في جانب آخر من القضية.. فإذا كانت هذه تكاليف طالب سعودي لدراسة اللغة، فما هي تكاليف الدراسة العليا لـ 131.600 طالب وطالبة ملتحقين ببرنامج خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله - في أكثر من ثلاثين دولة؟!) ثم قال: ( إن نظام الابتعاث الذي اعتمد في بلادنا سيحقق لي ولغيري من الشباب نقلة نوعية بإذن الله، وسيعيننا لتغيير مسار حياتنا وأسرنا للأفضل، كما سيمكنني من الوقوف على علوم أجد نفسي قادرا على الإبداع فيها، وسيزيد مهاراتي اللغوية والأكاديمية، وسيمكنني من العودة إلى بلادي محملا بآمال عظام).
عندها تأملت منطق هذا الشاب وتمنيت أن تكون مشاعر أبنائنا وبناتنا تماثل مشاعره، فهو ليس بالرجل المتخاذل ولا ضعيف الأفق، ولا بالرجل الذي يسهل تحريك دفته يمنة ويسرة، ولا بالرجل التواق للسفر، هذا الفتى يحب الجلوس بين أسرته والتحدث لوالديه وإخوانه وأخواته، ويحب أصدقاءه، ومع أنه قليل الكلام لكن أفعاله أكبر وأروع من المأمول، هذا الفتى يعرف من يكون ويعرف قدر بلاده، ويعرف أنه سفير لدينه وسفير لوطنه، وأنه يمثلهما في حله وترحاله، هذا الشاب مع ندرة وجوده من وجهة نظري إلا أنه يتحدث عن أصدقاء يماثلونه في خلقه وغيرته وحرصه، يتحدث عن رجال المستقبل بحماس منقطع النظير، يتحدث عن شباب يفتخر أنه من جيلهم، مؤكدا أن طموحهم وثقتهم بأنفسهم وبقدراتهم في ازدياد مستمر.
ولشباب بلادي أقول ما هو متوفر لكم اليوم قد لا يكون متوفرا غدا – أدام الله علينا نعمه وبارك لنا بها – لذا عليكم أن تتدبروا أحوالكم فتتحركوا إلى الأمام دون النظر إلى الخلف إلا للتفكر بالنعم وحمد المنعم سبحانه، فبلادكم تحتضن أحلاما كان من الصعب وصولكم إليها لولا الله العلي القدير ثم قيادة احتضنت طموحكم وبذلت في سبيل ذلك الكثير، إيمانا منها بأنكم ثروة تستحق كل عناية، وأنكم قادرون بحول الله على التغير للأفضل وعلى البذل والعطاء.
ولمن اعتقد من شبابنا أن ما حصل عليه تحصيل حاصل عليه مراجعة نفسه بعناية، فالأيام المقبلة لن تتوقف عند السعودة بقدر ما ستتوقف عند المؤهلات العلمية والمهارات الإنسانية التي يحملها أبناؤنا، والمنافسة ستكون على أشدها بين من عمل بجد وواصل ليله بنهاره ومن أمضى أيامه مسترخيا معتمدا على رعاية أسرته وحكومة بلاده، وأن "حافز" وجد لتحفيزه لا لخذلانه، وأن دعم "الموارد البشرية" المادي للقطاع الخاص كان وما زال بهدف إلى إفساح المجال لك لتعمل وتبدع، فلا تتوقف عند نقطة بعينها ولا تدمن الاسترخاء.
ثم على القطاعين الحكومي والخاص التوقف مليا عند رفضهم مصافحة أبنائنا، أو عند وضعهم شروطا تعجيزية للنظر في ملفاتهم، أو عند عرضهم لأبنائنا حاملي الدراسات العليا مخصصات مالية أقل بكثير مما هو معتمد في أنظمة ديوان الخدمة المدنية ومكتب العمل تنفيرا لهم، وليتذكروا الحفاوة التي قوبل بها جيلنا يوم طلبنا العمل، والتنافس الشديد الذي دار حولنا، ثم إن الخبرة لا تأتي من فراغ، فمن أين لمتخرج ومتخرجة حديثي التخرج أن يأتوا بالخبرة؟ ثم لم يغضب بعض القائمين على شؤون الموظفين من استفسارات المقبل على الوظيفية عن طبيعة العمل المعروض عليهم، وعن وحقوقهم، بل وعلى أي سلم وظيفي سيكون؟ وهل يفترض أن يكون ابننا كمن لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم؟!
أعتقد أن ما بذله الوطن وما بذله أبناؤنا وبناتنا من أجل تحصيلهم وتأهيلهم هذا التأهيل العالي يستحق منا التقدير، وتعاملنا معهم لا بد أن يكون قائما على الاحترام.