عندما نريد ان نستكشف تفاصيل مجتمع ما في هذا العالم بالتأكيد يجب أن نرجع إلى الكتب التي تركها ذاك الزمان أو تلك الأمة من علوم ومعرفة وأوراق أكاديمية، لنكون قادرين على التبحر واستكشاف تفاصيل العصر الذي نبحث فيه.

لا يخفى على القارئ العادي أن الباحثين عندما يريدون دراسة مجتمع، يدرسون تفاصيل التفاصيل من لغة ومعتقدات دينية وعادات وتقاليد، وحتى طريقة الأكل والمشي والجلوس، فمثل هؤلاء الباحثين سخروا أنفسهم لفهم ودراسة شعوب وحضارات، مثل الباحثين الأكاديميين والمستشرقين في القرن الثامن والتاسع عشر. وخدمت أبحاثهم دولا عظمى في فهم الشعوب التي يريدون احتلالها، وكيفية جذبهم وتجنب ما لا يرضيهم، بهذه الطريقة تمكن نابليون من محاولة جذب المسلمين في الحملة الفرنسية على مصر عبر الخطاب الديني، ونرى اليوم العديد من رؤساء الدول العظمى من يستخدم هذه المؤثرات لتحقيق أهداف سياسية، كالاقتباس من القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة.

هنا نريد توضيح نقطتين، النقطة الأولى: هي فتح مراكز أبحاث عربية لدراسة الحضارات في الخارج، وأنا أعلم جيدا أن هذا الأمر ليس بالأمر السهل، لأسباب سياسية وأمنية، لأن هذه الجهات تعلم جيدا خطورة البحث والعلم، خاصة أن مثل هذه المراكز تستخدمها الحكومات لأغراض استخباراتية، ولا يمكن للدولة الناجحة أن تستغني عن العلماء والأكاديميين والمفكرين، لأنهم هم العامود الفقري للمجتمع في الاتصال بالعوالم الخارجية ثقافيا واجتماعيا.


النقطة الثانية: وهي محور المقال وهي ترجمة الأعمال الأدبية والأكاديمية من العربية للغات العالمية، فالعالم العربي لا ينقصه أدباء أو مترجمين، ولكن ينقصه المركزية الثقافية والعلمية التي تتيح بدورها مطابع النشر والترجمة لكي يتعرف العالم على الفكر العربي الحديث.

من المؤكد أننا اليوم لسنا في عصر الاستشراق وأساليب تجسس الحرب الباردة، ولكن نحن اليوم في عصر القوة الناعمة وعصر المعلومات الذي يتيح كل شيء، ورغم ذلك لا يمكن أن يتغير دور المراكز الثقافية من مكانه ولا يمكن لأمة أو دولة أن تنهض بدون علمائها الذين هم أساس المعرفة والتقدم، حتى أكبر الدول في العالم لم تتقدم إلا من خلال استدعاء الكوادر الأكاديمية لحل المشكلات التي يوجهونها، ويمكن اختصار تقدم الأمم في (أن أكثر الأمم تقدما هي الأمم التي حلت أكبر عدد من الإشكاليات التي تهددها).

دور ترجمة الأدب والمعرفة العربية هي قوة ناعمة تحاول تصحيح الصور النمطية التي يحاول الغرب باستمرار تشويهها والحط من الحضارة العربية والإسلامية، هكذا يستخدم الغرب الإعلام ضد أعدائه ولا يمكن للغرب أن يعادي أمة ضعيفة في الأساس، بل هي تستهدف الأقوياء لمحاولة إضعافهم.

في إحدى المرات سألني محاضر روسي في الجامعة أذكر لي ثلاثة علماء أو أدباء في وطنك، كتبت على ورقة وسلمتها، وبعد ذلك بكل أدب قال لي «من المثير للاهتمام القراءة لكتاب سعوديين ولكن للأسف ليس هناك ترجمة لها».

كلامه استوقفني كثيرا عن عدم معرفة الروس بشكل عام عن المملكة العربية السعودية، وتقصير الدور الثقافي العربي في نشره بعدة لغات، لأن النشر بعدة لغات له عاكس إيجابي كبير جدا على نظرة الشعوب الأخرى لنا سواء عربيا أو إسلاميا.

وفي عصرنا الحديث تعرف قوة الدولة بقوة وعدد مراكز أبحاثها.

فلم نعد نحمل كعرب ومسلمين في هذا الزمن الذي يسيطر عليه الغرب بكل وسائلهم وقواهم إلى التعلم ثم التعلم ثم التعلم، وبعد ذلك الاستعداد والنهوض ومثل هذه النهضة تحتاج إلى سنين وسنين من العلم المستمر لنكون قادرين على نقله للأجيال القادمة.. بإذن الله.