بالنسبة لي لا أجد تقديراً يكشف من أنت ويعطي تعريفاً لائقاً وحقيقياً عنك مثل أن يشاهد الناس عيني يتيم يبكي حزناً لفراقك أو لألمك.

أي شيء قدمته الأخصائية التي لم أعرفها للأسف من قبل (شيخة فراج السبيعي) لتجلس يتيمات دار الرعاية الاجتماعية في ممرات المستشفى رافضات الخروج قبل أن يطمئنن على أمهن كما ينعتنها، دموعهن ودعاؤهن وآهاتهن وتفسيرهن لما حدث يخبرك من هي هذه المرأة التي قررت عبور الطريق لتطلب من السائق ألا يكلف اليتيمات عبوره ويقترب بسيارته من باب الدار ليصطدم بها مراهق أرعن لم يتوقف ليرى نتائج فعلته، ومضى غير مبالٍ بما قد يكون حدث لأم وزوجة ومربية. هذا المراهق ليس الأول ولن يكون الأخير، ومثله المئات نراهم في الطرقات يجوبونها مهددين حياتنا وحياة أبنائنا وأزواجنا دون رقيب أو حسيب، شباب فاقد لروح المسؤولية يقف خلفه آباء غفل النظام عن معاقبتهم على سوء تربيتهم ونتائجها التي علينا نحن المواطنين أن نتحملها.

ولا أشك مطلقاً أنه حتى لو قبض على هذا المراهق الذي أدخل الأستاذة شيخة السبيعي الأخصائية الاجتماعية بدار الرعاية الاجتماعية في غيبوبة سيخرج بكفالة، وإذا حدث ما قضى الله به بلغوا كفيله ليدفع دية وانتهى الأمر!!

لا تستطيع أن تقطع دابر مثل هذه الممارسات التي جعلت حياتنا وقتلنا أرخص من شرب الماء بهذه العقوبات، حتى إن سائقي التريلات والسيارات الثقيلة أصبحوا لا يبالون بنا لأن التأمين سيتحمل دياتنا، هل تستطيعون إدراك ذلك؟ كم أصبح القتل سهلاً، وكم أصبحت إعاقتك عن الحياة وعن احتضان أولادك أو السير على قدميك أو البحث عن رزق أسرتك أمراً غير مكلف، ولا يترتب عليه سوى حرمانك أنت من الحياة!

في الحقيقة، أن في الفقه الإسلامي ما يمكن به وضع أشد العقوبات وأقدرها على التأديب وصيانة حياة الفرد، فالفقه مرن ومتطور وممتلئ بالقواعد الأصولية وأهمها سد الذرائع والمصالح المرسلة، ومنها يستطيع القضاة سن عقوبات رادعة، وإلا فإن ما أصاب غيرك اليوم قد يصيبك أنت غداً، وهؤلاء لا ينفع معهم سوى العقوبات المغلظة. الغريب أنه في حال قوتنا لم يبال النظام بسن ما يحمينا، وفي حال سقطنا ضحايا لتهاونه لم ينشغل كثيراً بحاجة إنسانيتنا لما يليق بنا كبشر ننتمي لبلد عم خيرها القاصي والداني.

وللأسف يحتاج المريض فيها أن يرى الإعلام ساقه التي نهشها ورم ما، أو رأسه، أو وجه طفلته التي أنهكها المرض حتى يحصل على علاج يليق بإنسانيته. لا أعرف من أطر لهذه الطريقة أو من عمل عليها أكثر، هل هو الإعلام أم وزارة الصحة وتدني مستوى خدماتها؟ لكنني أعرف أننا نستحق أفضل مما نلقاه بكثير، خاصة من يشبهون شيخة في عملهم.

إن من المؤلم أن تتصور عمراً مضى في العناية والبذل والعطاء ثم في حالة الضعف لا يقابله وفاء يليق به.