تجري التحضيرات لإقامة الأولمبياد العراقي مطلع تشرين القادم، وهو ليس تنافسا رياضيا كما جرى في طوكيو، ولا تحكمه القواعد الرياضية، بل إن حمى المنافسة فيه جعلت جميع الأسلحة مستخدمة.. المحظورة منها وغير المحظورة، نتيجة لكثرة الفرق المشاركة، وعدم وجود برامج انتخابية واضحة، يمكنها إقناع جمهور المشجعين بمستوى الأداء.

بالتأكيد فإن الأولمبياد العراقي يختلف عن العالمي، ليس باختلاف المنافسات وطبيعة الفرق المشاركة والغاية منه فحسب، إنما بمستوى التنظيم وعدد الفرق وإمكانيات اللاعبين، الذين أجروا تحضيرات كثيرة وخاضوا منافسات تأهيلية مكنتهم من المشاركة، قبل المنافسة على الحصول على إحدى المداليات.

بينما التجربة الديمقراطية العراقية، أفرزت أحزابا كثيرة متعددة الميول والاتجاهات، فيكفي توقيع 2000 شخص لتأسيس حزب واستنساخ برنامج انتخابي للمشاركة في الانتخابات، والمنافسة على مقعد برلماني، والمساومة على مغانم السلطة، لكن الذي يفوز في الأولمبياد العالمي هي الفرق الأكثر تحضيرا وتدريبا، وهيأت لاعبين على قدر كبير من القوة والمهارة، ووضعت خططا مستقبلية ولديها بنى تحتية لجميع الألعاب المشاركة فيها، فتأتي الإنجازات تبعا للتحضيرات وأداء اللاعبين، ولا مكان للصدفة إلا ما ندر.


أما في واقعنا السياسي فالأوضاع تكاد تكون مغايرة، وغبار المنافسة وجحم التسقيط والاتهامات بين المشاركين يعمي الأبصار، فلا يكاد يعرف الصالح من الطالح وتغيب البرامج الانتخابية، ويختفي اللاعبون الجيدون وسط سطوة المال السياسي وغبار الحرب الإعلامية، فيختلط الحابل بالنابل، فلا نجد إلا وقد وصل الانتهازيون والفاشلون.

الفرق العراقية بدأت تستعد لأولمبيادها المبكر هذه المرة، والذي يشهد زيادة كبيرة في أعداد الفرق المشاركة، خاصة بعد أحداث تشرين والقانون الانتخابي الجديد، الذي فتح المجال واسعا لمشاركة من يريد، من شيخ العشيرة إلى الطالب الجامعي المتخرج حديثا، من الفنان والرياضي ومن يملك صفحة مشهورة على وسائل التواصل، من المعلمة وعارضة الأزياء، فالكل يريد أن يمتهن السياسة.. ليس لرغبة في الخدمة لدى الغالبية، ولكن للاستئثار بما توفره السلطة من مكتسبات كبيرة ماليا وسياسيا، فهذا جائزة من يفوز بأصوات الناخبين. لكن بعض الفرق نتيجة للتخطيط السليم والتراكمات السابقة، قد أعدت العدة واستحضرت إمكاناتها، وهيأت البرامج الجيدة، واللاعبين الماهرين الذي يمكنهم المنافسة للوصول إلى منصة الفائزين، رغم ضبابية المواقف وعدم وضوح الرؤية لجمهور الناخبين.

إلا أن البرامج التي تهدف إلى بناء دولة مؤسساتية رصينة، لديها تنوع اقتصادي يوفر الحياة الكريمة وليس أحادي الجانب، تكون عامل استقرار في المنطقة وليس مسرحا للصراع بين أطراف إقليمية ودولية، تملك شخوصا وقيادات لديها علاقات متوازنة مع جميع الأطراف داخليا وخارجيا، سيكون لها حضورا مؤثرا في المرحلة القادمة.

لذلك فمتى امتلك الناخب العراقي الوعي وحرص على إيجاد دولة حقيقة، فإنه سيسعى إلى اختيار قوى الدولة، ولا يركن إلى دعم إمبراطوريات تريد ابتلاعها، وإن حملت شعارات مقدسة أحيانا، وعناوين طائفية أو مذهبية في أحيان أخرى، وأن يرتدي النظارات الواقية التي تحميه من غبار التشويه والتشويش، ولا ينساق لجميع الحملات المشبوهة التي تحاول ثنيه عن المشاركة في الانتخابات، ولا يستسلم للمال السياسي الذي يحاول شراء الضمائر قبل الأصوات، فالجميع يريد دولة مستقرة ينعم أفرادها بالحرية والأمان بعيدا عن سطوة السلاح وعصى الجلادين، وذلك لايتحقق إلا باختيار القوى التي تريد بناء دولة.

قريبا سينطلق الأولمبياد العراقي، والوصول إلى منصة الفائزين مرهون باختيار الناخب العراقي، الذي تقع عليه مسؤولية كبرى في اختيار من يمثله، والفائز سيكون معبرا عن توجهات الناخبين، وهم بالتأكيد لا يريدون حيتانا تبتلع وطنهم، ولا ذئابا تنهب خيراته، إنما يردون رجالا لديهم من الخبرة والدراية ما يمكنهم من بناء دولة، ستهدم أركانها إن كانت الخيارات خاطئة.