تمثل صناعة النفط والغاز الأمريكية أهمية كبيرة في تعزيز اقتصادات كل الولايات الخمسين وتوفير الملايين من الوظائف للأمريكيين وفقًا لآخر إحصائية أمريكية حكومية التي توضح أن 11.3 مليون وظيفة في قطاع النفط والغاز الأمريكي ساهمت بشكل مباشر في ضخ 1.7 تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي لعام 2019.
وفي ظل ارتفاع العقود الآجلة للنفط الصخري الأمريكي بمقدار 45% هذا العام فقد بدأ كبار المستثمرين الأمريكيين بالتكشير عن أنيابهم لجني ملايين الدولارات. علاوة على أن النفط الصخري الأمريكي سيستفيد حتمًا من ارتفاع أسعار النفط الذي تديره بحكمة بالغة منظمة أوبك بلص، وهو ما يعني للشركات الصخرية الأمريكية جني النقد بدلاً من زيادة الإنتاج في أكبر طفرة نوعية منذ العام 2016.
تكمن أهمية هذا التقرير في اعتراف الأمريكيين بالتأثير المباشر على الاقتصاد لتراجع صناعة النفط والغاز، والتأثير غير المباشر في القوة الشرائية الفردية، والتأثير المصاحب على سلاسل الإمداد وكل الصناعات المرتبطة بالقطاع النفطي.
يشكل النفط والغاز 8% من قيمة إجمالي الناتج المحلي الأمريكي، وعليه فإن انتعاش الاقتصاد الأمريكي مرتبط بوصول كل الولايات الأمريكية لمصادر الطاقة رخيصة الثمن خلال الفترة المتبقية من العام لضمان عودة كل الاقتصادات المرتبطة على مدى الخمس سنوات القادمة. فالوظائف المباشرة النفطية تمثل 6% وغير المباشرة المرتبطة تمثل 21% ما يعني أن قطاع النفط والغاز يساهم في ربع إجمالي التوظيف الأمريكي، ويضيف سنويًا 900 مليار دولار كدخل فردي للموظفين.
الجديد في الموضوع هو أن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية اعترفت بأن الطلب على النفط سيزداد ويتجاوز مستويات العام 2019 خلال 2022، وهو ما ذكره مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية KAPSARC في تقريره للربع الأول من العام الجاري. وهذا هو رد صريح لكل من يزعم أن ذروة الطلب على النفط كانت في 2019.
في الحقيقة أن العالم يتجه بسرعة نحو ازدهار سيكون هو الأكبر من نوعه في التاريخ وفقًا للمعطيات الحالية ما لم تنشب أزمة سياسية في الشرق الأوسط. فقطار النهضة الصينية يمضي بقوة وعزيمة والأمريكيون يعتدّون بقوتهم العسكرية والاقتصادية لتسيير السياسات الدولية والتجارة عبر أعالي البحار، والهدف المعلن الأمريكي هو احتواء تلك النهضة الصينية، ولن يتمكّن الأمريكيون من الوصول لهذا الهدف ما داموا يضعون في أعينهم قضية التغير المناخي بالمنطق المتداول، فالنفط والغاز لم يكونا أبدًا سببًا مباشرًا في قضية التغير المناخي. لكن الأوروبيين سيجدون أنفسهم في ورطة عدم تبنّي السياسات الأمريكية لخطة استبدال الطاقة والسيارات التقليدية، وعوضًا عن ذلك ستضطر أوروبا لعقود إما لفتح تحالفات مع الشرق الأوسط وضمان استقراره وهو هدف مشترك مع الصين، أو للرضوخ للتعنّت الأمريكي والاعتماد بشكل مباشر على الغاز الروسي.
وفي رأيي المتواضع، أن أمريكا لن تلتزم بخارطة طريق الحياد الكربوني على الرغم من أنها ستضخ 500 مليار دولار حتى العام 2050 وهو ما سوف يوافق عليه الكونجرس الأمريكي خلال أيام، ذلك لأن الأمريكيين بحاجة إلى الاعتماد على مصادرها الموثوقة حاليًا حتى نضوج المصادر البديلة، ولن يكون الخيار متروكًا أمامها على كل حال، فخلال سنوات سيكون اللاعب الأكبر في سوق الطاقة هي الدول التي تنتج الهيدروجين وبدائل الطاقة مثل السعودية، فالسرعة السعودية هي علامة فارقة في السياسات العالمية خلال العشر سنوات القادمة، وستعيش أسواق البتروكيماويات والنفط والغاز التقليديين أزهي عقودهما، ما لم تفجّر الولايات المتحدة أزمة مفتعلة مع إيران في الخليج للحد من الإمدادات وتعقيد مبادرة الصين للحزام والطريق.