نعيش في عصر يشجعنا كل ما فيه على الاستعجال، نصحو على المنبه، ونشرب قهوتنا على عجل، ونتناول وجبة الإفطار واقفين، هذا إذا سمح الوقت.

لا وقت لتصفح الجريدة، بل اختفت الصحف تقريبا وأصبحنا نستقي المعلومات من مصادر عاجلة كما تسمي نفسها، وقد يقرأ أحدنا نصف الخبر قبل أن يحرك إصبعه على الشاشة أمامه منتقلا بسرعة إلى خبر آخر.

هذه الحالة السامة من الاستعجال لا تقضي فقط على متعة اللحظة بل تؤثر في الواقع على حالتنا الذهنية وتزيد من الضغوط النفسية والتوتر. عدم وعينا باللحظة وعجلتنا المفرطة للوصول إلى النهاية أيا كانت يحرمنا من متعة الرحلة، وندفع فاتورته من صحتنا النفسية والجسدية نحن ومن حولنا، فالاستعجال والتوتر معديان.


إن رغبتنا المحمومة في استعجال الأشياء تعاند طبيعة الحياة، فكل شيء في الحياة يحتاج إلى وقت، من ترقب الأحداث المهمة إلى مجاري الأنهار إلى نمو الأشجار وإلى إعداد طبق شهي لمن نحب، عندما نستعجل، نعيش في حالة مقاومة دائمة للطبيعة، وهذه المقاومة مجهدة. والغريب في الأمر أننا إذا سألنا أنفسنا عن سبب هذا الاستعجال قد لا نستطيع الإجابة! هي حالة عامة تطارد أغلبنا في داخل بيوتنا وخارجها. حتى في إجازتك ستجد من يستعجلك لفعل شيء حددت موعده مسبقا.

الحقيقة أن الاستعجال يؤثر في حالنا عند الوصول لأي هدف، نصل مجهدين، وقد لا نرغب حتى في الحديث عما مررنا به. لكننا، معشر المستعجلين، ننسى ونبدأ فورا في البحث عن هدف آخر، تحد آخر، سبب آخر لإبقائنا في حالة مستمرة من الركض، فهو الحالة الوحيدة التي نتقنها وتبدو لنا طبيعية جدا، أما الهدوء فهو مريب، خصوصا في هذا العصر الذي يدفعنا للاستعجال دفعا، وكأننا نتجه لموعد مهم طول الوقت.

قد يدفعنا الشعور بالتأخر على أهدافنا للاستعجال، ولكن بقليل من التفكير قد نصل لسؤال مهم وهو: تأخرنا على المقياس الزمني لمن؟ من وضع نقاط الوصول الافتراضية وألزمنا جميعا بها؟ الحقيقة أنك أنت صاحب زمنك، ومقرر أحداثه وأهدافه، وبالتالي فأنت من يجب أن يقيس التقدم، وفقا لما تحتاجه الآن وما تريده على المدى البعيد، عندما تسمح لموجة التسارع المحيطة بك أن تؤثر على شعورك الخاص بالزمن ستشعر دائما بالرغبة في الركض مع من يركضون!

الاستعجال يحرم عقولنا من الوعي المطلوب للتفكر، ومع كل مرة نستعجل فيها نفقد فرصة أخرى من فرص التأمل، ولهذا ازدهرت أكثر هذه الأيام مصحات الاستجمام القائمة على التأمل، تلك التي ترغمنا على ترك الهاتف جانبا، والابتعاد عن الشاشات، والطبخ التقليدي، والمشي لساعات في الهواء الطلق، والعودة للطبيعة. هذه المصحات تعود بنا لطبيعتنا الأولى، تعلمنا مهارة الانتظار، والتي صارت من أصعب مهارات الحياة.